الخليج وروسيا .. الحوار في زمن مضطرب
كل القضايا التي طرحت في الاجتماع الوزاري المشترك الرابع للحوار الاستراتيجي بين مجلس التعاون الخليجي وروسيا .. مهمة وملحة، بل تفرض ضرورة حتمية بإيجاد حلول للقضايا والأزمات على الساحة، ولا سيما تلك المتفاعلة بصورة خطيرة، مثل الحرب في سورية والعراق. ومن ضمن أهم هذه القضايا يأتي مدى التزام النظام الإيراني بالاتفاق النووي مع القوى الغربية. فالمسألة تتعلق أساسا بأمن المنطقة، ولا بد أن تكون هناك آلية ضامنة ومقنعة لبلدان المنطقة بامتثال إيران لهذا الاتفاق، خصوصا أنها تتدخل في كثير من البلدان العربية بصورة مباشرة أو غير مباشرة. من سورية إلى العراق واليمن ولبنان والبحرين والكويت والمملكة. ومع وجود علاقات جيدة حاليا بين روسيا وإيران، حرص الوزراء الخليجيون على التأكيد على هذه المسألة المحورية.
لا شك أن الاجتماع الوزاري الرابع المشار إليه، يمثل خطوة مهمة في هذا الوقت بالذات، والأهم استمراره في المستقبل للإبقاء على الحوار مع القوى المعنية ماضيا إلى الأمام، ليس فقط من أجل التوصل إلى اتفاقات، بل أيضا لإزالة الخلافات (وأحيانا الاختلافات) في وجهات النظر حيال بعض القضايا. وفي مقدمتها في المرحلة الراهنة سورية، حيث تقف روسيا علانية ورسميا مع نظام بشار الأسد الذي فقد شرعيته في الواقع منذ اليوم الأول لانطلاق الثورة الشعبية العارمة ضده. وكلنا نعلم أن موسكو أوقفت سلسلة من القرارات في مجلس الأمن الدولي تخص حل الأزمة السورية منذ البداية. وعلى هذا الأساس، يمثل الحوار بين روسيا وبلدان الخليج العربية ضرورة، ليس للطرفين فحسب، بل للشعب السوري.
وللتأكيد على هذه الضرورة، اتفق وزراء مجلس التعاون الخليجي على أهمية التنسيق الراهن في العمليات العسكرية ضد تنظيم داعش الإرهابي والمنظمات المماثلة الأخرى في سورية. هذا التنسيق في حد ذاته يمكن اعتباره تعاونا مطلوبا في هذه الأوقات الحرجة. ولهذا السبب كان الجانبان حريصين على تطوير التعاون في مختلف المجالات، ولا سيما تلك التي تختص بالتطورات والمستجدات الحاصلة على الأرض حاليا. وكل هذا يدعم أيضا الحرب الشاملة على الإرهاب. فدون التعاون الدولي، خصوصا بين البلدان المعنية، لا يمكن الوصول إلى الأهداف النهائية لهذه الحرب، مع وجود أطراف مارقة على شكل دول تموّل الإرهاب، بل تشارك في الأعمال الإرهابية والعدوان خارج حدود بلادها. وأكبر مثال على هذا، إيران الموجودة بجنودها ومرتزقتها في غير بلد عربي.
ولعل اللافت أيضا، حرص الجانب الروسي على ملاحظة قلق دول مجلس التعاون الخليجي من استمرار إطلاق الصواريخ البالستية في المنطقة. وهي كلها تجري في إيران. وعلى هذا الأساس، يمكن لموسكو القيام بدور إيجابي فاعل، للضغط على نظام علي خامنئي، إلى جانب الضغوط الدولية الأخرى التي يتعرض لها بهذا الخصوص. وهذا يدفع مجددا إلى الواجهة أهمية قياس مستوى امتثال طهران للاتفاق النووي، ولا سيما بوجود مخططات شريرة معلنة وسرية لديها حيال الإبقاء على التوتر في المنقطة أطور فترة ممكنة، والمشاركة المباشرة في الأعمال العدائية، واتباع سياسة الدفع بالأحداث إلى حافة الهاوية. وهذا أيضا يتعلق بما يجري في عدد من الساحات العربية. حيث يتمسك مجلس التعاون الخليجي بقوة بوحدة التراب العربي السوري، ومعه بالطبع العراقي.
ليس أفضل من توضيح المواقف خصوصا بين أطراف فاعلة على الساحة، كما ليس أفضل من الصراحة والمكاشفة، لأنها كفيلة بتوضيح الأمور، وتصحيح المسارات إذا ما كان هناك مسار لا يتماشى مع المصلحة العامة لكل الأطراف. واجتماع وزراء خارجية مجلس التعاون مع روسيا، هو واحدة من تلك المناسبات المهمة التي ينبغي أن تتفعل وتتفاعل في كل الأزمنة.