هل نضوب البترول وشيك؟
الجواب بطبيعة الحال بالنفي، فلدى العالم كميات هائلة من البترول الذي لم يحن بعد زمن استخراجه لأسباب اقتصادية. كما تدور أحيانا فكرة احتمال الاستغناء عن البترول خلال المستقبل المنظور. وجوابنا أيضا بالنفي القاطع. فكميات البترول بأنواعه وأشكاله المعروفة لنا اليوم التي من الممكن إنتاجها بالطرق والتكنولوجيا المعاصرة تفوق أربعة تريليونات برميل. وما يحدد وقت وزمن إنتاجها الجدوى الاقتصادية. فقد تم إنتاج ما يزيد على تريليون برميل منذ اكتشاف البترول قبل 150 عاما. وإذا فالمسألة ليست متى ينضب البترول، فهو باق لعقود طويلة وربما قرون. ولكن الذي يهم البشرية هو كميات الإنتاج التي أوشكت على الانخفاض مع استمرار ارتفاع الطلب العالمي وتكلفة الإنتاج التي يتحملها الاقتصاد.
تتكون احتياطيات البترول مما يطلق عليه أخيرا التقليدي وغير التقليدي. وما يميز التقليدي هو سهولة الإنتاج وتدني التكلفة إذا قورن بغير التقليدي. فتكلفة إنتاج التقليدي، أو ما يسمونه أحيانا البترول الرخيص، تراوح بوجه عام بين عشرة دولارات و40 دولارا للبرميل. أما تكلفة إنتاج غير التقليدي فتبدأ من 50 دولارا إلى ما يزيد على 150 دولارا للبرميل. ومن الممكن تعريف غير التقليدي، بتبسيط معناه، بأنه يشمل البترول الصخري والصخر البترولي والرمل البترولي والبترول ذا الكثافة العالية التي تحُول دون جريانه تحت الظروف العادية، وكذلك بترول أعالي البحار والمناطق المتجمدة. والصخر البترولي والرملي يوجدان غالبا في حالة صلبة فوق سطح الأرض. ويتم إنتاجهما عن طريق تسخين وإذابة الصخور الحاملة لهما. ويكون ما بقي من البترول التقليدي تقريبا ربع الاحتياطي العالمي الذي ذكرناه آنفا، أو قريب من تريليون برميل. ولتجنب حدوث التباس حول الموضوع، فالرقم المتداول إعلاميّا لاحتياطي التقليدي يتجاوز تريليونا و600 مليار برميل. منها 400 مليار من البترول الرملي الكندي والثقيل الفنزويلي، رغم كونهما من مصنفات غير التقليدي. إضافة إلى ما يقارب 200 مليار برميل من عوامل التضخيم غير المبرر الذي تتبناه كثير من الدول. ولعله من نافلة القول أن نذكر أن البترول التقليدي هو الذي يمد العالم اليوم بـ 90 مليون برميل يوميا. وهذه المعلومة لها أهمية قصوى. فنسبة كبيرة، ربما تفوق 95 في المائة من حقول التقليدي المنتجة اليوم قد بلغت الذروة منذ زمن طويل. بعضها كان قد بدأ إنتاجه في الانخفاض قبل سنوات وبعضها الآخر لا يزال في منطقة "البلاتو". وهو ما يعني أن الإنتاج من تلك الحقول القديمة على حافة الانخفاض لولا الصرف الكبير الذي تمارسه دول الإنتاج التي تملك المال، وينعكس على رفع معدل التكلفة. ولن تمر إلا سنوات قليلة حتى يتحول كامل الإنتاج العالمي باتجاه الانخفاض المستمر نحو النضوب الطبيعي لحقول البترول التقليدي. ولن يكن تعويض إنتاج التقليدي من غير التقليدي في المستقبل ممكنا، نظرا لضآلة كميات الإنتاج إلا في حالة استثمار مبالغ ضخمة قد لا تكون متوافرة. ومن باب العلم، فإنه لم يكتشف عالميا حقلا واحدا للبترول التقليدي الرخيص من الحجم المتوسط خلال أكثر من 40 سنة مضت، على الرغم من الجهود المضنية والمكلفة التي تتكبدها شركات البترول، باستثناء حقول صغيرة الحجم هنا أو هناك.
والإنتاج العالمي الحالي من التقليدي البالغ أكثر من 90 مليون برميل يوميا مصدره النصف الثاني من احتياطي البترول الرخيص. وما يقارب ستة ملايين برميل من غير التقليدي، الصخري الأمريكي والرملي الكندي. وهناك فرق شاسع بين إنتاج النصف الأول من الحقول والنصف الأخير، من حيث التكلفة وكميات الإنتاج. والسبب الرئيس لذلك هو انخفاض ضغط مكامن البترول ونفاد نسبة كبيرة من الغاز الذي يعتبر القوة الدافعة للإنتاج، وتزايد إنتاج كميات الماء المصاحب للبترول. وهذه جميعها عوامل مؤثرة سلبيّا في مستقبل الإنتاج الذي يتضاءل مع مرور الوقت حتى يصبح إنتاجه غير اقتصادي بعد فترة من الزمن. ومع انخفاض كميات الإنتاج ونمو الطلب العالمي ترتفع الأسعار، ما سيفتح المجال للاستثمار في المصادر غير التقليدية المكلفة من أنواع البترول الأخرى. ولذلك، فمن الواضح احتمال حدوث شح كبير في الإنتاج البترولي خلال العقود المقبلة على الرغم من ضخامة الاحتياطيات البترولية المؤكدة.
أما فيما يتعلق بمقولة الاستغناء عن البترول وهو حي ُيرزق، فهو أمر يستحق الوقوف عنده. والملاحظ أن الذين يؤيدون فكرة إمكانية الاستغناء ليس لديهم دليل مادي، وغالبا ما يكون اعتقادهم مبنيا على الظن. نعم، هناك بدائل معروفة ولكنها لا تعدو في الوقت الحاضر عن كونها روافد للبترول وليست بديلا عنه. فلا يوجد بديل يملك ولو نسبة ضئيلة من خصائص البترول الطاقوية أو الصناعية. وليس من المنطق في شيء أن تسرح بنا الأوهام لنتصور حدوث معجزة علمية تطيح بأهم مصدر للطاقة في العصر الحديث، ناهيك عن فوائده الصناعية التي لا تحصى. ولو تطرقنا إلى البنية التحتية للصناعة البترولية الواسعة لأدركنا أنه من العبث التفكير في الاستغناء عنه وبناء بنية تحتية جديدة تكلف تريليونات الدولارات من أجل الاستغناء عن البترول قبل نضوبه اقتصاديّا. واللافت للنظر أنه لا أحد يتحدث عن الاستغناء عن الفحم الحجري الذي هو أقدم ظهورا وأقل كفاءة من البترول. وينتج الفحم اليوم أكثر من 40 في المائة من الطاقة الكهربائية حول العالم.