أسباب تدني الاكتراث بالتلوث
صدر في 12 من أيار (مايو) 2016 تقرير لمنظمة الصحة العالمية عن أكثر مدن العالم تلوثا في الهواء. وتضمن التقرير تسجيل سبع مدن سعودية معدلات تلوث سنوية مرتفعة مقارنة بالمعدلات الآمنة، بينما جاءت ثلاث مدن ضمن قائمة العشرين مدينة الأكثر تلوثا في الهواء على مستوى العالم. وعلى الرغم من مخاطر تلوث الهواء والتلوث بشكل عام على أنماط الحياة المختلفة فقد كان تفاعل الجهات الرسمية والشعبية والعلمية تجاه تلوث هواء مدن المملكة شبه معدوم. وهذا يظهر حالة من السبات أو اللا مبالاة بظاهرة التلوث وآثارها السلبية على الحياة البشرية والحيوانية والنباتية والبيئة بشكل عام. ولا تتوافر على ما يبدو إصدارات أو بحوث معينة تحاول التعرف على العوامل التي تقف خلف حالة تدني الاكتراث هذه، ولكنها في اعتقادي تعود لعدد من الأسباب لعل من أبرزها:
1 - انخفاض الاهتمام في البيئة والتلوث في البلدان والمناطق التي تسود الطبيعة الصحراوية على مساحاتها، وعلى النقيض من ذلك يرتفع الاهتمام في البيئة وآثار التلوث في المناطق والدول التي تغطيها المساحات الخضراء وتكثر وتتنوع فيها الحياة البرية. وهذا مشاهد حتى في بعض الدول المتقدمة، حيث تنخفض الاهتمامات البيئية وترتفع مستويات إحراق الطاقة للفرد في الأقاليم الأكثر تصحرا مقارنة بالأقاليم التي تغطيها الغابات أو تكتسي أراضيها الخضرة. ويبدو أن سكان الصحاري أو المناطق القاحلة يقللون من قيمتها ولا يمانعون كثيرا في انتشار مظاهر التلوث في أرجائها. وهذا يبدو واضحا من انتشار المخلفات الضارة للبيئة في برارينا.
2 - مرحلة التنمية التي تمر فيها البلدان، فإذا كانت الدولة في بداية تنميتها فإن الشغل الشاغل لمجتمعاتها يتركز على انتشال السكان من حالة الفقر والجهل والتخلف التي تعيشها، وفي هذه المرحلة يتلاشى الاهتمام بالبيئة سعيا لرفع مستويات المعيشة. ثم تدخل الدول في مراحل أخرى يتسارع فيها النمو ويتم التركيز على التصنيع ويمنح كثيرا من الدعم والإعفاءات ويتم أيضا التغاضي عن الآثار السلبية للتصنيع والتنمية بشكل عام، والتي من أهمها ارتفاع مستويات التلوث.
3 - ضعف المؤسسات المنوط بها حماية البيئة وكذلك ضعف التشريعات والعقوبات التي تتصدى للآثار السلبية للتلوث وانخفاض تفعيلها وغيابها في كثير من الحالات. فحتى الآن لا توجد إدارة ناهيك عن وزارة مستقلة ومتخصصة في البيئة، وهذا يخفض من مستويات التركيز الإداري على قضايا البيئة ويشتت جهود الإدارات المكلفة جزئيا بالبيئة.
4 - ضعف مؤسسات المجتمع المدني بشكل عام ومؤسسات حماية البيئة بشكل خاص، وقلة نشطاء البيئة الذين يملأ بعضهم الدنيا صراخا وعويلا على المخالفات البيئية، ولكنهم يلفتون الأنظار إلى قضاياهم. وهذا يخفض من ممارسة الضغوط على صناع القرار، ويخفف كثيرا من لهجة النقاشات حول التلوث، ويحد من شفافية بيانات التلوث، وإجراء الأبحاث، ورفع قضايا التعويضات، ورفع معايير الجودة البيئية التي تلعب دورا في توعية المجتمع البيئية وتحفز أنشطة حماية البيئة والتصدي للتلوث.
5 - النفوذ المؤثر للكيانات المسؤولة عن التلوث والتأثير القوي لملاكها وإدارييها، بل ووجود عدد من الشركات الحكومية المهمة التي تسهم تقنياتها وأنشطتها بدرجة قوية في رفع مستويات التلوث ما يخفض من تغطية قضايا التلوث، ويقلل كثيرا من نشر المعلومات حول آثارها السلبية. وكان من المؤمل أن تولي الكيانات الصناعية الحديثة قضايا التلوث اهتماما شديدا، ولكن مستويات التلوث المرتفعة في المدن الصناعية الجديدة في الجبيل وينبع تدحض هذه الفرضية.
6 - تدني وتحديد أسعار الطاقة شجع كثيرا على تصاعد استهلاكها، كما شجع على اقتناء ونمو وتدفق وسائل النقل والصناعات كثيفة الاستخدام للطاقة، وأسهم في الوقت نفسه في تثبيط منتج الطاقة الرئيس من تطوير منتجات وقود أقل تلويثا للبيئة. إضافة إلى ذلك ألغى تدني أسعار الطاقة بصورة عملية استخدام وتطوير مصادر الطاقة الأخرى الصديقة للبيئة. وقاد انخفاض أسعار الوقود وتعود الكثيرون على تكاليفه المنخفضة إلى مكاسب مالية لمعظم أعضاء المجتمع وخصوصا الشرائح الغنية ما تسبب في تغاضي الكثيرين عن مخاطر التلوث وآثاره السلبية.
7 - تدني ثقافة المجتمع البيئية وانخفاض مستويات إدراك مخاطر التلوث لدى شرائح واسعة من المجتمع، الذي يعود إلى الخلفيات التاريخية الضعيفة في حماية البيئة، وحداثة قضايا التلوث، وندرة إصدار ونشر بيانات ودراسات ومنشورات عن آثاره وتكاليفه السلبية المحلية. وتسهم وسائل الإعلام التي تخضع أو تخشى نفوذ الكيانات المسؤولة عن التلوث في خفض توعية المجتمع. وتلعب المؤسسات التعليمية والنخب المثقفة دورا في حالة اللا مبالاة حول قضايا التلوث بسبب تدني جهودها في مناقشة وتغطية ودراسة آثار التلوث.
8 - من الممكن أن يكون للظروف الصعبة التي تمر فيها المنطقة العربية دور في دفع قضايا التلوث إلى الساحة الخلفية لاهتمامات حكومات وشعوب المنطقة العربية.
وعموما لا يمكن حصر العوامل التي تقف خلف حالة اللا مبالاة تجاه التلوث بهذه العوامل، حيث يوجد المزيد منها، وهذا يتطلب المزيد من البحث والاستقصاء لكي يمكن التعامل معها وشحذ اهتمامات المجتمع بقضايا التلوث، لأن تأثير التلوث تراكمي ويتزايد مع مرور الوقت ما يهدد الأجيال المقبلة، كما أنه يؤثر على الشرائح الاجتماعية الضعيفة كالأطفال وكبار السن والفقراء بدرجة أكبر من باقي الشرائح السكانية.