رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


«إماطة» .. وبناء الشخصية المسؤولة والبيئة النظيفة

أطلقت أمانة المنطقة الشرقية مشروع "إماطة" الذي دشنه أمير المنطقة الشرقية سعود بن نايف ـــ حفظه الله ـــ في 29 من كانون الأول (ديسمبر) عام 2015، ومن مسمى المشروع يمكن لأي مسلم أن يدرك غايته المتمثلة في المحافظة على نظافة المنطقة بتجاوز مرحلة رمي المخلفات التي تعتبر مخالفة شرعية إضافة إلى كونها مخالفة نظامية إلى ما هو أبعد من ذلك بإماطتها عن الطريق لنيل الأجر والثواب، فالمسمى مستنبط من قول الرسول ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ "الإيمان بضع وستون شعبة أعلاها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق" وفي قوله في حديث آخر في أنواع الصدقات "ويميط الأذى عن الطريق صدقة".
تابعت أنشطة المشروع خلال الأشهر الخمسة الماضية واطلعت على تصريحات المسؤولين والمشاركين بالحملة كما اطلعت على تعليقات بعض أفراد المجتمع على ما ينشر من خلال وسائل التواصل الاجتماعي وشعرت بأن المشروع يسير بخطى ثابتة في الاتجاه الصحيح لإحداث تغيير عميق في نفوس أفراد المجتمع، تغيير يصل إلى منظومة القيم والمفاهيم والمعارف، التي تشكل في مجموعات محددات المواقف وسلوك الأفراد، وهذا يعني أن التغيير لن يكون آنيا أو عابرا بل مستداما ليصبح طبعا من طباع أفراد المجتمع السعودي في المنطقة الشرقية بمرور الزمن.
مشروع "إماطة" يركز بشكل كبير على الأطفال والناشئة والشباب السعودي في المدارس والمعاهد والجامعات وهي من أفضل المراحل لغرس القيم والمفاهيم الأخلاقية، خصوصا أن سلوك إماطة الأذى عن الطريق ذو بعدين، ديني ووطني، وهما بعدان يمزجان بين المنطق والعاطفة بشكل كبير ما يجعل الأطفال والناشئة والشباب يتقبلون القيم والمفاهيم التي يسعى المشروع إلى ترسيخها، ويتمثلونها سلوكا بشكل كبير ودون تردد بل يدعون غيرهم إلى الالتزام بها بمن في ذلك والدوهم والعاملون في منازلهم أو من يتعاملون معه بطريقة أو بأخرى.
المشروع وهو يعمل على شريحة الأطفال والنشء والشباب في مدارسهم كشريحة ذات أولوية يعمل في الوقت ذاته على شرائح أخرى كما أعلن ذلك أمين المنطقة الشرقية، توعية وتثقيف الشرائح الأخرى بأهمية المحافظة على البيئة، وتوعيتهم بالأضرار الاقتصادية والصحية الناجمة عن رمي المخلفات في الأماكن العامة والأماكن غير المخصصة لها ومن تلك الشرائح قائدو السيارات، والعمالة الوافدة في أماكن تجمعها، وقائدو شاحنات النقل الثقيل خصوصا تلك التي تقوم بنقل المخلفات والأنقاض والنفايات، والمسؤولون والعاملون في الجهات التي تتكون لديها النفايات النوعية كالمطاعم ومحطات الوقود والمستشفيات وغيرها.
القائمون على برنامج "إماطة" ربطوا التطوع لاستثمار طاقة وحماس الشباب وحبه لدينه ووطنه بالنظافة والحث عليها والتوعية بمتطلباتها وسلوكياتها، حيث نظمت أمانة المنطقة الشرقية بالشراكة مع إدارة التعليم في المنطقة دورة تدريبية بعنوان "قوة التطوع" لــ 300 طالب من مدارس حاضرة الدمام للمرحلتين المتوسطة والثانوية، بهدف تأهيلهم بحضور رواد الأنشطة الطلابية في المدارس لقيادة طلاب المدارس في حملة التوعية بأهمية الحفاظ على نظافة حاضرة الدمام "إماطة"، التي انطلقت في المدارس، ولا شك أن تزاوج الفكر التطوعي بالفكر الصحي والبيئي من منطلقات شرعية ووطنية سيثمر مشاريع تنفيذية مؤثرة بمرور الزمن تلعب دورا كبيرا في التوعية وتغيير السلوكيات نحو الأفضل المنشود.
ورغم الاتجاهات الصحيحة لمشروع "إماطة" وما حققه في الأشهر الخمسة الماضية منذ لحظة انطلاقه إلا أنه من الواضح أنه يعاني ضعف الموارد المالية اللازمة لتحقيق أهدافه المنشودة بشكل أكثر سرعة وأعتقد أن على المعنيين في المنطقة الشرقية من شركات ورجال أعمال وأجهزة حكومية أن يقدموا خدماتهم التعاونية لزيادة قوة وفاعلية وكفاءة البرنامج ليؤتي ثماره بشكل متسارع، خصوصا أن المنطقة الشرقية تزخر بالشركات النفطية والبتروكيماوية التي تؤثر سلبا في البيئة، وعليها أن تنهض بدورها في نظافة المنطقة وسلامة بيئتها في إطار مهمتها في خدمة المجتمع التي باتت عملا جوهريا لا عملا ثانويا كما هو في السابق.
ويبدو لي كما أن المشروع يعاني ضعف الموارد والاستجابة المثلى من الجهات ذات الصلة فإن المشروع يعاني عقبة كبرى كما هو حال معظم المدن في المملكة، حيث تنتشر الردميات ومخلفات البناء على جنبات الطرق وفي الأحياء بشكل لا يشجع المواطن أو المقيم على الالتزام بعدم رمي المخلفات أو إماطتها وهو ما عبر عنه المتفاعلون مع ما ينشره المشروع على "تويتر"، حيث يرون أن انتشار المخلفات بشكل كبير يصيبهم بنوع من الإحباط، ولتجنب ذلك يجب أن تخرج الأمانة بالتعاون مع جميع الشركاء بحلول ابتكارية جذرية لهذه المشكلة لإطلاق حملة كبيرة تحشد لها الجهود والطاقات من جميع الأجهزة والجهات المعنية لإزالة جميع مظاهر المخلفات أيا كان نوعها لتكون البيئة محفزة، فالبيت النظيف يجعل الإنسان يخجل أن يرمي فيه المخلفات بخلاف البيت المتسخ.
مشروع "إماطة" ليس مشروع نظافة بل هو مشروع ثقافة لبناء الشخصية المسؤولة والبيئة الصحية وعلينا أن نوفر لهذا المشروع جميع ممكنات بناء الثقافة لكيلا تغرس المتناقضات في أذهان الأطفال والناشئة والشباب فيسمعون ويتأهلون لشيء ويرون على الواقع شيئا آخر، نعم علينا أن نفكر بعمق وبمسؤولية في كيفية تحقيق أهداف المشروع قولا وعملا وعلينا أن نستنهض الطاقات ونحشد الجهود ليتوافق ما ندعو إليه مع الواقع على الأرض، وعلى المسؤولين في أمانة الدمام أن يعملوا وفي خلفيتهم الذهنية أن جميع المناطق تراقب نجاح هذا المشروع المتميز فكرا وتطبيقا وتتطلع إلى استثماره كنموذج قدوة.
ختاما مشروع "إماطة" للتوعية بالنظافة ينطلق من ثقافتنا الإسلامية التي تربط دنيانا بآخرتنا ويرتبط بثقافتنا الوطنية وبعواطفنا لرفعة وطننا وأتمنى له النجاح في المنطقة الشرقية وأتطلع إلى أن يتم تعميمه على جميع مناطق المملكة برعاية من وزارة الشؤون البلدية والقروية ليعم الوعي والفائدة أنحاء بلادنا العزيزة كافة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي