رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


هل ستتحمل السوق المالية التحول إلى معايير المحاسبة الدولية؟

ما علاقة المعايير المحاسبية بالسوق المالية؟ لعل هذا السؤال قد أقلق الكثير ممن ليس لهم واسع اطلاع بعلم المحاسبة ومراجعة الحسابات. لعل البعض يسأل أسئلة أكثر بساطة لماذا نحتاج للمعايير الدولية أو لغيرها من باب أولى؟ لعلي أبدأ الإجابة من تصريح شركة سابك أن التحول للمعايير الدولية سيؤثر في حجم الإيرادات، إذا هناك علاقة مباشرة وحتمية بين المعايير المحاسبية التي نختارها ورقم الإيرادات وبالطبع الأرقام الأخرى الكثيرة المنتشرة في القوائم المالية ومنها الأراضي والمباني والسيارات والقروض والمصروفات وحتى رقم الأرباح والتوزيعات. فـ "سابك" مثلا كانت تظهر قوائمها المالية إيرادات تجاوزت 40 مليارا، ومن المحتمل كما أعلنت "سابك" أن ينخفض هذا الرقم إذا استخدمنا المعايير الدولية، فلماذا؟ المعايير ببساطة هي التي تخبر المحاسب في الشركة كيف يقوم بحساب قيمة أي بند من بنود الميزانية أو الدخل أو غيرها، وتخبره كيف يفصح عنه في القوائم المالية، في قصة "سابك" فإنه ــــ وفقا للمعايير السعودية ـــ على شركة سابك أن تثبت الإيرادات (أي تسجلها في دفاترها) إذا تم توقيع عقد البيع فعلا ونقلت البضاعة من المستودعات للمشتري، وفي بعض الأحيان (بحسب نوع المنتج وأعمال المصنع) إذا تم الإنتاج فعلا وأصبحت السلعة في المستودع حتى ولو لم يتم بيعها بعد، وهناك طرق أخرى تتناسب مع كل حالة، والفيصل في الأمر متى تصبح "سابك" متأكدة بنسبة كبيرة أنها حققت الإيراد وأن السلعة في حكم المبيعة وحق الحصول على السلعة قد أصبح بيد المشتري (في بعض الحالات). إذا التزم محاسبو شركة سابك وشركة كيان بالطريقة نفسها إذا سنتمكن من المقارنة (تقريبا) بينهما وبين كل الشركات في القطاع الواحد وفي السوق ككل، لكن إذا لم تكن هناك معايير واحدة تطبق في كل الشركات فإن كل شركة ستعلن عن أرقام فقط (قامت بحسابها كيفما شاءت) وهذا سيفقد الأرقام المعنى أو القيمة الحقيقية وأي قرارات لشراء السهم أو بيعه تتخذ على هذا الأساس هي قرارات مضللة وخاطئة في الغالب.
المعايير الدولية التي قررت الهيئة السعودية للمحاسبين القانونيين أن تتحول إليها، تمثل طرق تقييم وإثبات متقدمة وحديثة، وأيضا فهي مجموعة شاملة لعناصر كثيرة جدا في القوائم المالية لم تكن المعايير السعودية تغطيها (ولم نكن متأكدين تماما كيف كانت الشركات تثبتها)، لعل أهمها أن يتم تقييم وإثبات الأصول في القوائم المالية وفقا للقيمة العادلة، بينما الذي يطبق حاليا هو القيمة التاريخية (تقريبا)، هذا التغير ليس جيدا بالضرورة فهل تمتلك الشركات السعودية في السوق المالية قدرة على معرفة سعر السوق لكل عناصر الأصول لديها؟ نحن نعرف أن معظم قطاعات الاقتصاد السعودي لم تنضج بعد، ومنها القطاع العقاري، وقطاع السيارات، ولم تتطور لدينا مفاهيم مثل شراء الديون أو الأوراق ذات القيمة، لذلك سيتسبب التقييم السنوي لكثير من الأصول بحسب القيمة العادلة في إرباك لكثير من المحللين وخاصة غير المتفهمين لمسائل القيمة العادلة، القيمة العادلة ترفع من حقوق الملاك عندما يزدهر الاقتصاد وتنهار بها في سنوات التباطؤ، وبقدر ما يعكس هذا الأمر حقائق اقتصادية على الواقع إلا أن ردة فعل الأسواق تكون دائما مبالغا فيها وتتهم إدارة الشركات بسوء، فهل نتوقع مع تطبيق المعايير الدولية هجوما واسعا على جميع الإدارات الحالية وخاصة تلك التي لم تتخذ حتى الآن خطوات إيجابية نحو توعية مساهميها والمحللين المتابعين لها عن أثر التحول إلى المعايير الدولية على قيمة أصولها وخاصة أن أسعار العقارات تتراجع حاليا.
في جانب الإيرادات، سيكون على السوق السعودية مواجهة الأصعب عندما نتحول إلى المعايير الدولية، فالمعيار الدولي يتبع أحدث طرق بل أعقدها حتى الآن في احتساب الإيرادات بناء على تركيبة العقد المبرم مع العميل. الشركات التي ليس لديها محاسبين مدربين جيدا على المعيار الدولي رقم (15) ستكون في وجه مدفع النقد الضخم عندما يبدأ التحول الإلزامي. وإذا كانت شركة موبايلي قد عانت عندما تحولت إلى المعيار الدولي بسبب تراخ في طريقة إثبات برنامج ولاء العملاء بينما شركة موبايلي كانت تضم نخبة من أفضل المحاسبين ويشرف على مراجعة حساباتها أحد أكبر المكاتب في العالم، فكيف إذا علمنا أن السوق السعودية تعج بشركات تقدم برامج ولاء العملاء مثل "موبايلي" ومع ذلك لم تعلن حتى الآن عن معالجة هذه العمليات وفقا للمعيار الدولي أو حتى آثارها، ولهذا أتوقع الكثير من حالات الإخفاق ومعها بالتأكيد الكثير من حالات التحفظ في تقرير مراجع الحسابات والخلاف مع المراجعين الخارجيين الذي سيصل إلى السطح بلا أدنى شك مع تطبيق المراجعين المعايير الدولية من جانبهم.
المسألة لن تقف عند حد الحاجة إلى محاسبين مدربين بشكل جيد، بل إن مراجعي الحسابات الخارجيين سيكون عليهم عبء كبير عندما تطبق المعايير الدولية لمراجعة الحسابات، فتقرير مراجع الحسابات الذي لم يكن يتجاوز عشرة أسطر في بعض الأحيان، والنص يتكرر من شركة إلى أخرى، وتعلن عنه الشركات في الصحف محشورا في زاوية صغيرة، سيتحول إلى عملاق من صفحات ستتجاوز الثلاث صفحات في الحد الأدنى وقد تصل إلى عشر صفحات إذا كان هناك نقاش بين المراجع وإدارة الشركة يطول القوائم المالية، سيكون تقرير مراجع الحسابات قوائم أخرى خاصة، ولعلي هنا أهنئ الصحف التي ستغطي مساحات إعلانية أكبر للقوائم المالية وتقرير مراجع الحسابات أكبر من ذي قبل، لا مجال اليوم أن يتحدث المراجع باقتضاب وتحت بند لفت الانتباه عن تصرفات غامضة لإدارة الشركة بل عليه أن يقدم مزيدا من التفصيلات والشروح الإضافية.
وبالعودة للسؤال، ما علاقة السوق المالية بمعايير المحاسبة الدولية؟ لقد تبين أن أرقام القوائم المالية ستتأثر بشكل جوهري ومباشرة بطريقة التقييم والإثبات التي يمارسها المحاسب، ومع المعايير الدولية فمن المتوقع أن يتراجع الكثير من أرقام الإيرادات لعدد من الشركات وكذلك قيم الأصول، وقد يتحفظ مراجعو الحسابات بشكل متزايد ويفصحون عن الخلافات مع الشركات في السوق السعودية وهذا كله قد يظهر وكأنما حصل تراجع كبير في النمو الاقتصادي للسوق المالية، وهذا سيؤثر حتما في قرارات المستثمرين بالبيع وقد تحدث مثل ظاهرة القطيع عند البيع كما حصل في الأزمة العقارية الأمريكية وما تسبب فيه المعيار المحاسبي رقم 157 هناك. لقناصي الفرص المتعمقين في الأمر فإن مثل هذا التراجع (إن حدث) سيمثل فرصة تاريخية، وحتى ذلك الوقت يجب على هيئة السوق المالية القيام بحملة توعوية بشأن التأثيرات المحتملة للمعايير الدولية وأن تنفذ هذه الحملة بدعم الشركات وخاصة تلك التي لديها برامج ولاء للعملاء أو تلك التي لها مكونات أو شركات تابعة في الخارج، أو تلك التي تعتمد في أعمالها على شركات خدمية أخرى.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي