رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


التسول بين الخصوصية والعجز

كتب الله لي لأسباب لا تتصل ببعضها أن أسافر لدول الخليج العربي.. جميعها، وبعد عودتي رجع لي المشهد الذي يمثل عجزنا أو ـــ خصوصية شوارعنا ـــ المتسولون والمتسولات عند كل شارع، والوقوف على نوافذ السيارات عند كل إشارة ضوئية، بالصورة والتفاصيل المكررة ذاتها في نيودلهي ومومباي! ولكن من المستحيل أن تجده في دبي أو الدوحة أو عمان، وأكثر استحالة أن تكون العمالة الوافدة فرق توزيع منظمة للتسول، تحتل الأرصفة، وتستقر عند الشوارع الرئيسة، في المدن السعودية كافة.. وعلى مرأى وزارة الداخلية، وتحت بصرها، وعلى وهج شمس الضحى وشعشعة نورها!
ومن أغرب ما قد يصادفك.. في المقارنة بين دول الخليج وبيننا أن وزارة الداخلية الموقرة، تحذر المواطنين والمقيمين من التصدق على عصابات التسول، لأن مافيا الإرهاب، واحد من مصادرها المالية هو التسول! وهنا تشعر أن هذا التسول الظاهر لكل عين، والواضح كوضوح الشمس في رابعة النهار، وأمام كل بصير، هو مادة هلامية غير قابلة للقبض عليها! أو هو يمثل قدرة نافذة، بسطوة غالبة، تجعل وزارة الداخلية، تحذرنا منها، عوض التوجه مباشرة للقبض على الفاعلين لها، والمستترين خلفها!
بحسب الإحصاءات الرسمية عدد المواطنين في هذه الجريمة لا يزيد على 5 في المائة، وأن 70 في المائة رجال مقيمون من جنسيات آسيوية وعربية يستترون بعباءة نسائية، ويحصدون مبالغ تصل في أكثر المرات إلى أكثر من 30 ألف ريال شهريا.. ما يسهم في مضاعفتها، وتناميها، مع قيام رجال الأمن بأنفسهم أحيانا بالتصدق عليهم.. ومن سياراتهم الرسمية، ما يعطيك هذا الحس بالألفة بين الطرفين، ولا يفارق المتسولون مواقعهم عند عبور الدوريات الأمنية، لأن هناك جهة يفترض أن هذا اختصاصها، وربما العتب على العين والبصر للقائمين عليها، إذ ربما تم توظيف مخرجات معهد النور فيها أخيرا، أو هو احترام الخصوصية السعودية إذ يظهر أن التسول في شوارعنا هو مما نمتاز ونتميز به عن سائر دول الخليج.
وغالبا ما يتم تناقل مشاهد التسول على القنوات الفضائية العالمية بوصفه صورة لحجم البؤس والشقاء، ومرارة الجوع، وثقل العوز! ثم يتم التوظيف الإعلامي الهائل لهذه الأعداد المتكاثرة من قطعان المتسولين في الشوارع العامة، بما تقرهم عليه أجهزة الدولة كافة، بالمقدار الذي تحذرنا وزارة الداخلية من التصدق عليهم، بوصفهم قضاء لا يرد، وقدر لا يستبدل.. وليس بوصفهم ظاهرة تفضح فشل "مؤسسة حكومية" لها جميع الصلاحيات، ومختصة بمكافحة التسول والمعاقبة عليه. يظهر أن التسول ليس له عقوبات رادعة كما هو الحال في إمارة دبي، حيث يعود المتسول للمهنة ذاتها بعد استراحة الإقامة المجانية في السجن!
إن في البحرين والإمارات وقطر وعمان.. ملايين الأجانب.. لم يتجرأ واحد منهم أن يتسول عند إشارة مرور في شارع رئيس وعند انبلاج النهار! فلماذا هم قادرون على فعل هذا كل يوم.. ومن عشرات السنين عندنا؟! ولماذا يتم تصويرهم كسمة بارزة لشوارعنا.. ومدننا، وكأنهم جزء من الخصوصية السعودية.. أو هم تعبير عن "العجز" لكثير من الدوائر الحكومية المعنية بشكل مباشر بمعالجة هذه الظاهرة.. وهي عليها قادرة في يوم واحد .. لو حضر القصد.. وتوافرت العزيمة! إلا أنها الخصوصية أو العجز.. والله أعلم..!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي