الشركات العائلية في زمن التحولات
في العقد الماضي انطلقت وتيرة الحديث عن مستقبل الشركات العائلية في الخليج بصورة أسرع، وسط طروحات متفاوتة متباينة بل ومتعارضة. بعض الطروحات وجد أن هذا النوع من الشركات سيبقى حاضرا في المشهد الاقتصادي الخليجي لعقود أخرى طويلة، وبعضها الآخر اعتبر أن مرحلة الشركات العائلية انتهت، وأن الصيغة المتطورة في هذا المجال لابد أن تكون هي الحاضرة على الساحة. وهناك وجهات نظر أخرى تتحدث عن إمكانية تطوير أداء الشركات العائلية، إذا ما تم إخضاعها لمستويات أكبر للحوكمة، فضلا عن المرونة المطلوبة بما يتناسب مع التحولات الراهنة على الساحة الاقتصادية العالمية بشكل عام والخليجية على وجه الخصوص. وفي العقد الماضي، ظهرت انتقادات لهذه الشركات، على اعتبار أنها ترفض إحداث أي تطوير في هيكليتها وكيفية التعاطي مع المتغيرات الاقتصادية والاستثمارية والإنتاجية المختلفة.
ومما لا شك فيه، تواجه الشركات العائلية الخليجية نقطة تحول مهمة بل تاريخية لأن الأمر ليس مرتبطا فقط بالتحولات الاقتصادية المشار إليها، بل في انتقال إدارة هذه الشركات من الجيل الثاني لها إلى الجيل الثالث. في حين أن بعض الشركات لا يزال يدار من قبل الجيل الأول نفسه. وفي كل الأحوال، هذا الانتقال بحد ذاته يوفر قوة تغير حاسمة (بل ضرورية)، على اعتبار أن الأجيال الحالية أكثر مرونة في التعاطي مع التغيير فيما لو قورنت بالأجيال السابقة. وبصرف النظر عن وجود استثناءات في هذا المجال، إلا أنها تبقى قليلة. التحديات التي تواجه الشركات العائلية الخليجية في الوقت الراهن، هي تلك الكامنة في إعادة صياغة اقتصادات المنطقة وفق التحولات الراهنة، ولاسيما فيما يرتبط بالابتعاد عن النفط كسلعة الدخل الأولى للبلاد. وإعادة الصياغة هذه تتضمن (من ضمن ما تتضمن) جانبا تنافسيا نشأ في الواقع نتيجة انفتاح اقتصادات المنطقة، ومنح الفرص وفق مفاهيم جديدة.
وعلى هذا الأساس، هناك مرحلة جديدة على صعيد الشركات العائلية، لا تختص فقط بالبقاء في الساحة ضمن مفهوم جديد ومتطور للتنافسية، بل أيضا ترتبط بقدرتها على التناغم مع البناء الراهن لاقتصاد المنطقة على أسس مختلفة تماما عما كانت عليه منذ نشوء البلدان الخليجية ككيانات وطنية. وتكمن أهمية الشركات العائلية، في أنها تسهم بما بين 75 و80 في المائة من الناتج المحلي غير النفطي. علما بأن غالبية الاقتصادات في دول مجلس التعاون الخليجي، تتحرك حاليا على الساحة الاقتصادية لبناء اقتصادات بعيدا عن النفط. وهذا يعني ببساطة أن دور الشركات العائلية مهم جدا في البناء، وبالتالي ينبغي أن يكون بمستوى المرونة التي تتكرس على الساحة الخليجية.
الفرصة مواتية الآن لانخراط أكبر للشركات العائلية ليس في الناتج فحسب بل في بناء الاقتصادات نفسها، من خلال التطوير والمرونة والانفتاح، والتفكير الجدي في طرح نفسها في الأسواق المالية كشركات مساهمة، وتمكين دور المرأة في القيادة فيها. صحيح أن دور هذه الأخيرة يرتفع بصورة عامة في القطاع الاقتصادي الخليجي، لكن الصحيح أيضا أنه دون المستوى المطلوب، وبإمكان الشركات العائلية أن تقوم بدورها على أكمل وجه بهذا الخصوص وبهدوء أيضا. غير أن النقطة الأهم، هي تلك التي تتعلق بالحوكمة الفاعلة على صعيد الشركات العائلية، لأن أي خطوة باتجاه طرحها كشركات مساهمة، تتطلب مرحلة مسبقة من الشفافية عن طريق الحوكمة. يضاف إلى ذلك، أن التحولات الاقتصادية الراهنة تفرض معاييرها الجديدة، وعلى رأسها بالطبع، الانفتاح بالشكل الذي يساعد على تمكين مخططات البناء الاقتصادية الاستراتيجية. فالمسألة تتعلق بمستقبل أوطان أكثر من مستقبل اقتصادات.