رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


التعاملات الإلكترونية الحكومية .. وآفاق المستقبل

الاسم الأكثر تداولا على مستوى العالم هو"الحكومة الإلكترونية"؛ لكن هذا الاسم هو اسم مجازي، لأن هذه الحكومة لا تحكم، بل تنفذ ما يعطى لها من إجراءات وتعاملات تقوم بأداء الخدمات الحكومية في شتى القطاعات. ويتم ذلك عبر وسائط إلكترونية تشمل شبكات الاتصالات المرتبطة بالإنترنت والمتاحة للجميع، والمواقع الإلكترونية الحكومية المتصلة بها، والتي تقدم الخدمات المختلفة لأصحاب العلاقة من مواطنين ومقيمين. ولعله من هذا الواقع الفعلي تحمل الحكومة الإلكترونية في السعودية اسم "التعاملات الإلكترونية الحكومية".
وتبعا للمعايير الدولية، تتضمن الخدمات الحكومية الأساسية التي يطلب تقديمها إلكترونيا كلا من: خدمات "الشؤون الاجتماعية، والصحة، والتعليم، والعمل، والمالية، والبيئة، وقضايا التعاملات الخارجية"، إضافة إلى خدمات الشراكة مع المواطن في "المعلومات"، ومشاركته في "المشورة" أيضا، وخدمات أخرى مختلفة. ولهذه الخدمات تبعا للمعايير الدولية أيضا مستويات تراوح بين تلقي المعلومات من الجهة الحكومية من خلال موقعها، وبين تبادل المعلومات مع هذه الجهة إرسالا واستقبالا، وصولا إلى تكامل الخدمات عبر مختلف الجهات الحكومية، فيما يخص المعاملات التي تحتاج إلى مثل ذلك. وربما نجد قريبا خدمات حكومية ذكية لا تكتفي بالاستجابة للمتطلبات، بل تقدم المشورة أيضا.
ولكن لماذا يتجه العالم إلى تقديم الخدمات الحكومية إلكترونيا، ولماذا توضع المعايير الدولية لهذه الخدمات، بل يتم تشجيع الدول على تبنيها. تنطلق الإجابة عن هذا التساؤل من مزايا تقنيات المعلومات والاتصالات في التعامل مع المعلومات التي هي أساس التعاملات الحكومية وتعاملات الأعمال المختلفة، حيث يتمكن الإنسان عبر هذه التقنيات من "حفظ المعلومات ومعالجتها ونقلها" بحجم "أكبر"، وبصورة "أسرع"، وبوسائل "أصغر"، وبتكاليف "أقل"، وبأمان "أعلى"، مع إعطاء "آفاق" فسيحة لمزايا أخرى كثيرة، يمكن إتاحتها على نطاق واسع.
تتوافق مزايا تقنيات المعلومات والاتصالات مع تطلعات "قسم الشؤون الاقتصادية والاجتماعية التابع للأمم المتحدة UNDESA بشأن "فاعلية العمل الحكومي". فلهذا القسم فرع يدعى"شبكة الإدارة العامة" UNPAN تم إنشاؤه عام 1999 ليعمل على ردم "الفجوة الرقمية بين دول العالم". وتشمل أهداف هذا الفرع مساعدة الدول الأعضاء في الأمم المتحدة على تطوير الإدارة الحكومية وخدماتها لتحقيق أداء يركز على "احتياجات المواطن"، ويتمتع بالخصائص التالية: "الكفاءة، والفاعلية، والشفافية، والمسؤولية المقترنة بالمحاسبة، إضافة إلى حماية البيئة". ويهتم هذا الفرع بتفعيل التعاملات الإلكترونية الحكومية كوسيلة لتحقيق ذلك؛ وهو الجهة التي تصدر دوريا، كل سنتين، تقييما للدول المختلفة، وتعمل على تصنيفها على أساس هذا التقييم.
اهتمت المملكة بتفعيل "التعاملات الإلكترونية الحكومية" عبر برنامج "يسر"، التابع لوزارة الاتصالات وتقنية المعلومات، والجهات الحكومية المختلفة الأخرى. وتمثل هذا الاهتمام بقفزة في تصنيفها الدولي من "70" عام 2008 إلى "36" عام 2014. أي أنها تقدمت "34" مركزا، خلال ست سنوات فقط، على الرغم من المنافسة وسعي الدول المختلفة الأخرى إلى التقدم أيضا. ولعله من المفيد هنا إلقاء بعض الضوء على معايير تقييم التعاملات الإلكترونية الحكومية، والتصنيف الدولي الذي يستند إليها، تمهيدا لطرح بعض الآراء والمقترحات.
تشمل طريقة تقييم التعاملات الإلكترونية الحكومية أربعة محاور رئيسة. يهتم المحور الأول بـ "بنية الاتصالات"، وله خمسة مؤشرات تتعلق بخدمات "الهاتف الثابت، والجوال، والإنترنت، والإنترنت عريضة النطاق سلكيا ولاسلكيا أيضا". ويركز المحور الثاني على "خدمات المواقع الحكومية"، وله منهجية تقييم وعوامل متعددة يأخذها في الاعتبار مثل "تكامل الخدمات الحكومية في إطار مشترك، وتعدد قنوات الحصول على الخدمات، مثل تمكين الخدمات عبر الهاتف الجوال، وتعميم الخدمات على الجميع في جميع المناطق، وتوفير البيانات الحكومية العامة للجميع". وتجدر الإشارة هنا إلى أن تقدم المملكة في تصنيفها الدولي في هذا المحور فاق تقدمها في تصنيفها العام. فتصنيفها الدولي العام هو "36"، لكن تصنيفها الدولي في هذا المحور هو "18" على مستوى العالم لعام 2014.
يرتبط المحور الثالث للتقييم بـ "الثروة البشرية" التي تستخدم الخدمات الإلكترونية الحكومية، ولعل ذلك يأتي من منطلق أن مستوى "التعليم" عامل مؤثر في مستوى استخدام هذه الخدمات والاستفادة منها. ويشمل هذا المحور مؤشرات تتعلق بـ "الأهلية التعليمية بين الكبار، والتسجيل في التعليم، ومتوسط عدد سنوات الدراسة لمن تجاوزا "25 عاما"، إضافة إلى متوسط عدد سنوات الدراسة المتوقع في المستقبل". ونأتي إلى المحور الرابع الذي يرتبط أيضا بالإنسان، لكنه لا يؤخذ في الاعتبار في التصنيف العام، وهذا المحور هو محور "المشاركة إلكترونيا"، ويقيّم بثلاثة مؤشرات تتضمن شراكة الإنسان في البيانات، ومشاركته في تقديم المشورة في القضايا المختلفة، إضافة إلى مشاركته في اتخاذ بعض القرارات. وتصنيف المملكة الدولي، المستقل عن التصنيف العام، في هذا المحور هو "51". ليست التعاملات الإلكترونية الحكومية غاية، بل هي وسيلة لتطوير الإدارة الحكومية وخدمة الإنسان بصورة الأفضل. وعلى ذلك فإن الاهتمام بهذه التعاملات بات ضرورة لجميع الدول الطموحة. وفي هذا الإطار لا بد من النظر إلى مشهد هذه التعاملات من خلال رؤية شاملة، تتضمن الخبرات السابقة المكتسبة من جهة، وتطورات القاعدة التقنية الإلكترونية المتاحة لهذه التعاملات من جهة أخرى، ويضاف إلى ذلك ما يمكن أن نعطي من أفكار مبتكرة للتطوير المستقبلي المنشود.
الخبرات السابقة لدينا واضحة، دليلها التقدم المطرد في التصنيف الدولي. والخبرات السابقة على مستوى العالم متعددة أيضا بينها صعود "كوريا الجنوبية وأستراليا وسنغافورة" إلى المراكز الثلاثة الأولى في هذا التصنيف. كما أن القاعدة التقنية الإلكترونية المتاحة تعطينا وسائل متجددة مثل "الحوسبة السحابية"، ومواقع "الويب الذكي"، وغيرها. يضاف إلى ذلك صدور قواعد ومعايير دولية متجددة تختص بحوكمة التقنية الإلكترونية المتجددة وإدارتها والمحافظة على أمنها على أفضل وجه ممكن. ثم هناك، كما أسلفنا، محاور التقييم الدولية الخاصة بمتابعة تطور التعاملات الإلكترونية في الدول المختلفة وتصنيفها.
يحتاج الاهتمام بتطوير التعاملات الإلكترونية الحكومية إلى "مركز دراسات" ينظر إلى مشهد تطور التعاملات الإلكترونية الحكومية من مختلف جوانبه، ليقدم أفضل الحلول باستخدام أفضل التقنيات، ويفتح آفاقا جديدة مبتكرة للمستقبل. ولا بد في الاهتمام بذلك من الحرص على كفاءة هذه التعاملات وفاعليتها، حيث يكون "الإنفاق على تطويرها استثمارا ناجحا" يعود بالفائدة على المواطن والمقيم، وعلى الإدارة الحكومية، بل على المجتمع بأسره. ولعلنا نعود إلى هذا الموضوع في مقال قادم بمشيئة الله.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي