رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


السندات رافد سعودي آخر

الاستثمارات الخارجية للمملكة تشهد تطورا متواصلا في كل المراحل التي مر بها الاقتصاد السعودي. وهذا أمر طبيعي في الاستراتيجية الاستثمارية للبلاد، التي تمثل حاليا، إلى جانب بناء اقتصاد وطني جديد مستدام ومتنوع وكلي، رافدا آخر من روافد الدخل والتدوير المالي للفوائض والأموال القابلة للاستثمار. واستثمارات المملكة متنوعة في الخارج، ولا سيما في البلدان الغربية الرئيسة، التي توفر أوعية اقتصادية جيدة للاستثمار، نظرا لما تتمتع بها اقتصاداتها من سمعة ومتانة وتماسك، والأهم من هذا كله الاستدامة. والاقتصادات التي تدخل ضمن هذا التوصيف، توفر الأمان الاستثماري أيضا، وهذا ما يتطلبه أي حراك استثماري يستهدف هذا البلد أو ذاك. المطلوب أولا وأخيرا قاعدة اقتصادية قوية، لضخ الأموال الكفيلة بعوائد مناسبة تتماشى مع الوضع الاقتصاد العام.
إعلان الولايات المتحدة عن ملاك السندات الحكومية فيها، جاء ليعزز ما هو معروف في الواقع عن الحضور الاستثماري السعودي في هذه السندات، إلى جانب طبعا، الاستثمارات في القطاعات الأخرى المالية والعقارية والخدمية والطاقة وغيرها. احتلال المملكة المركز 11 في قائمة الجهات الأجنبية الأعلى استملاكا للسندات الأمريكية، يأتي أيضا ضمن السياق المعروف في هذا المجال. وتوفر هذه السندات مجالا آمنا للاستثمارات، ولذلك هناك إقبال كبير عليها من بلدان خبرت الاستثمارات الخارجية مثل الصين واليابان وبريطانيا وإيرلندا وهونج كونج وغيرها. وفي الواقع السندات الأمريكية التي تمتلكها المملكة، لا تشكل سوى ربع حجم الاستثمارات الكلية الخارجية لها. وبحسب الأرقام، فإن للسعودية ما يزيد على 2.2 تريليون ريال استثمارات هناك، بينما بلغ حجم السندات الأمريكية منها 438 مليار ريال.
الجديد في أمر السندات، أن الجهات الحكومية الأمريكية أعلنت رسميا عنها، وفق قانون الكشف عن المعلومات. غير أن الأهم، أن هذه السندات توفر عوائد جيدة، تشكل سندا رئيسا لأي متغيرات تحدث على الساحة الاقتصادية السعودية محليا. هي رصيد يرتفع حجمه في إطار آمن، ولاسيما في المرحلة التي تمر بها المملكة من إعادة بناء الاقتصاد الوطني، بما يتناغم مع "رؤية المملكة 2030". وهذه الأخيرة، لا تحتاج في الواقع لحجم كبير من الإنفاق، بل إلى مؤازرة معنوية اقتصادية، تكفلها عدة آليات، من بينها الاستثمارات الخارجية، إضافة طبعا، إلى الاستثمارات الأجنبية في السعودية، وفتح السوق المحلية أمام حراك اقتصادي مرن ومتحرر من القيود التي سادت طوال عقود.
يبدو واضحا، أن القيادة السعودية ماضية حتى النهاية في إتمام برنامجها الاقتصادي التاريخي، وفق رؤية تختلف تماما عن تلك التي كانت سائدة في السابق. إنها تبني الاقتصاد الوطني بعيدا عن النفط كمصدر رئيس لعوائد البلاد. إنها في الواقع تبني اقتصاد ما بعد النفط، على الرغم من أنها هي نفسها صاحبة الاستراتيجية النفطية التاريخية التي نشهد آثارها حاليا، والهادفة لإيصال السوق النفطية إلى حالة الاستقرار والاستدامة. وهي تقوم بذلك متحملة كل الآثار السلبية الآنية لهذه الاستراتيجية، المتعلقة بتراجع تاريخي أيضا لأسعار النفط، وعدم إمكانية عودته إلى مستوى ما كان عليه قبل انهيار الأسعار. المسألة هي رؤية جديدة لا دخل لها بأي رؤى أخرى سابقة.
من هنا، يمكن النظر للاستثمارات في السندات الأجنبية بشكل عام، والأمريكية بشكل خاص، كرافد آخر أكثر محورية الآن على وجه الخصوص في الحراك الاقتصادي السعودي. وهي في النهاية خاضعة لمعايير السوق. فإذا كانت هذه السندات دون مستوى المأمول منها، فيمكن التخلص منها وتحويل أصولها إلى ممرات اقتصادية خارجية أخرى. إن السعودية التي تمتلك هذا القدر من السندات الأمريكية، تمتلك أيضا سندات ومشاريع استثمارية أخرى في بلدان أخرى حول العالم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي