«الرؤية» .. وأربعة منطلقات
رؤية السعودية 2030 بقيادة ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان تستهدف تحقيق نمو (ازدهار) اقتصادي راسخ، أي غير معتمد على تصدير موارد طبيعية كالنفط. ويقاس هذا النمو بنمو الإنتاج أو الناتج غير المرتبط بالمورد الطبيعي. ومعروف أن أشهر مقياس لاقتصاد أي دولة هو الناتج المحلي. وهناك ثلاثة عوامل أساسية لا يمكن أن يكون هناك نمو وإنتاج دونها، وعلى المدى الطويل خاصة: رأس المال البشري، ورأس المال المادي، والتقنية بمعناها الأشمل الذي يندرج تحته أي مستوى تقني سائد. وأهم هذه الثلاثة رأس المال البشري.
السؤال التالي: ما العوامل والظروف التي ترفع إنتاجية رأس المال البشري، وكيف؟
هناك أربعة عوامل أساسية تسهم في رفع إنتاجية الفرد:
1. رفع المستوى المهني في البلاد.
2. إصلاح سوق العمل.
3. إصلاح المالية العامة.
4. إصلاح الإدارة الحكومية.
واختيار هذا الرباعي لا يعني حصر المتطلبات بها. أقول ذلك نظرا لأن سوء الفهم أو الظن أو تحميل الكلام ما ليس منه طبع وعادة عند كثيرين.
لنبدأ بالعامل الأول رفع المستوى المهني. وأترك الحديث عن بقية العوامل في مقالات مستقبلية.
تستطيع كل دولة أن ترفع المستوى المهني فيها عبر رفع مستوى التعليم والتدريب والمستوى الحرفي وشمولها، وعبر طرق تساعد على تحقيق هذا الرفع.
مع الأسف نعاني تدنيا بينا في المستوى المهني على المستوى الحكومي خاصة وفي القطاع الخاص عامة. وأهمية المستوى المهني في الحكومة نظرا لأن إدارة الاقتصاد بيدها.
هنالك ملاحظة على الجهاز الحكومي (السعودي) وهي انخفاض بين في أدائه المهني. ومن علامات هذا الانخفاض ما نراه من دأب الأجهزة الحكومية على الاستعانة بمتخصصين من خارجها مباشرة أو عبر اتفاقيات مع دول أجنبية ومنظمات دولية وجهات تعليمية واستشارية محلية أو أجنبية، لتقديم خدمات استشارية وإعداد دراسات وتقارير في مجالات اقتصادية أو زراعية أو مالية أو قانونية أو تنظيمية ونحوها مما كان مفترضا أن ينجز أكثره بواسطة متخصصي الأجهزة الحكومية المعنية نفسها، أسوة بما يحدث في دول أخرى كثيرة. كما أننا نلاحظ هنا في السعودية توافر كفاءات وطنية تنفذ أعمالا عالية المهارة مثل زراعة الأعضاء أو التدريس في الدراسات العليا.
إن ضعف الأداء المهني هو في المقام الأول انعكاس لضعف المستويين العلمي والمهني في الموظفين المتخصصين، الذي يعني قلة أو ندرة من يمكن الاعتماد عليهم في إنجاز أو الإشراف على إنجاز أعمال تتطلب مهارات وخبرات عالية في تخصصات ومعارف متنوعة.
هناك أسباب عديدة لذلك الانخفاض في المستوى المهني، من أهمها ضعف نسبي في مستوى الخريجين، ووجود عيوب كبيرة في تصنيف الوظائف المهنية ومعايير التعيين أو الترقية عليها، في أنظمة الخدمة المدنية الحكومية. من الأسباب وجود قيادات أو كبار موظفين في بعض الوزارات لا يقدرون أهمية الاحتفاظ بالكفاءات أو استقطابها، وبعضهم يمارس سلوكيات تنفر الكفاءات من البقاء.
كيف نعمل على رفع مستوى الخريجين بما يجعلهم منافسين لأقرانهم في دول العالم الأخرى؟ سؤال جوهري. وجوابه موضوع طويل، خلاف أن الكاتب ليس ذا اختصاص به.
وأما فيما يخص تصنيف الوظائف المهنية في الحكومة فأقول إن التصنيف لم يأخذ بعين الاعتبار وجود حقول أو مهارات تخصصية ضمن التخصص العام – اقتصاد أو قانون أو … إلخ - تكتسب خلال الدراسة الأكاديمية أو أثناء العمل، كما أن معايير التقويم المتبعة للترقيات على أغلب الوظائف التخصصية لا تكفي للحكم باكتساب الكوادر السعودية المهارات المطلوبة للوظائف المرقى عليها، كما أنها لا تكفي لترغيب المتخصصين في تطبيق المهارات المنشودة أثناء العمل، أو لتحديث معلوماتهم المهنية.
لرفع المستوى المهني فإنه لا بد من تطوير تصنيف الوظائف المتخصصة، بدءا بإعادة بمسمياتها. ويتزامن مع ذلك توصيف أدق لها لها، ولشاغليها، بما يسير مع الاتجاه المتعارف عليه علميا ومهنيا، وكما هو متبع في الدول والمنظمات الدولية المتطورة إداريا ومهنيا.
كما أن من المهم أن تدخل أساليب تقويم للمتخصصين تساعد على قياس أو تقييم المستوى المهني لهم. إن تقويم الموظفين المتخصصين المتقدمين للتعيين أو الترقية تقويما موضوعيا مهم ومؤثر غاية التأثير في جودة الأداء المهني للجهاز الحكومي، وفي هذا الصدد أدعو إلى الاستفادة من الخبرات المتوافرة والأساليب المطبقة في الجامعات (ترقية الأساتذة)، وفي الهيئة السعودية للتخصصات الصحية. كما أن في تجارب وخبرات دول ومنظمات دولية وشركات كبرى في تقويم وترقية المتخصصين ما يفيد. والهدف في الأخير رفع مستوى الكفاءات الوطنية بما يجعلها ندا لغيرها.