«أرامكو» .. الإدراج الذي يصنع تاريخا اقتصاديا
الأسواق العالمية كلها تترقب الخطوات النهائية لإدراج شركة أرامكو في السوق. في الواقع بدأ الترقب والانتظار والتقييم والتحليل، بمجرد أن أعلنت المملكة نيتها تخصيص جزء من هذه الشركة العملاقة لإدراجه في السوق. فالشركة ليست عادية، بل هي الأكبر على الإطلاق، مقارنة بغيرها من الشركات حول العالم. يضاف إلى ذلك، أنها تنتمي إلى السعودية التي تمكنت من عبور الممر الاقتصادي الحرج بهدوء وسلاسة في أعقاب انهيار أسعار النفط في السوق العالمية، باستمرار المملكة نفسها على التمسك بسياستها النفطية، حتى يتحقق الهدف الأهم وهو استقرار السوق النفطية العالمية، وإخراجها من حالة التقلبات. وأمام هذه الحقائق، التي ظهرت في فترة زمنية قصيرة، يمكن فهم الترقب العالمي لإدراج جزء من "أرامكو".
أهمية الإدراج أيضا، تتعلق بشركة ذات استراتيجية بعيدة المدى على مستوى الطاقة ككل، ومع انطلاق "رؤية 2030" في المملكة، بدا واضحا أن قطاع الطاقة (وليس النفط فقط) يمثل ركنا رئيسا في بناء الاقتصاد السعودي الجديد، إلى جانب مجموعة أخرى من الأركان الرئيسة. وليس غريبا أن تسرب شركات كبرى مثل "إكسون موبيل" و"بي بي" وغيرهما أخبارا بأنهما تنتظران اكتمال صورة إدراج نسبة من "أرامكو"، لأنهما تفكران جديا في الاستثمار فيها. وهاتان الشركتان النفطيتان وغيرهما من تلك التي تعمل في مجال الطاقة، أكثر دراية قياسا بأي جهة في العالم، بقوة ومكانة وموقع "أرامكو" على الخريطة الاقتصادية العالمية.
احتياطيات مؤكدة بمئات المليارات من البراميل الخام، بأقل مستوى من تكلفة الإنتاج في العالم، ويبلغ عدد الموظفين المباشرين فيها أكثر من 65 ألف موظف، ويصل عدد الموظفين المرتبطين بها بصورة مباشرة أو غير مباشرة إلى 200 ألف. هذه حقائق يعرفها الجميع، وتعرفها أكثر شركات الطاقة المختلفة الكبرى والصغرى حول العالم. وعلى هذا الأساس ينتظر الجميع أن تتضح صورة الإدراج في السوق. هل ستقتصر على المحلي أم أنها ستشمل طرحا آخر في لندن أو نيويورك أو في كلتيهما؟ وتكفي الإشارة إلى أن التقديرات الراهنة تحدد قيمة "أرامكو" عند تريليوني دولار، في حين تتحدث بعض الجهات عن قيمة قد تصل إلى ثلاثة تريليونات دولار. وفي كل الأحوال، إنها الأكبر على الإطلاق في تاريخ الإدراج في البورصات على المستوى العالمي.
من هنا يرتفع مستوى حماس المستهدفين لأسهم "أرامكو"، إنهم يعرفون أنها متماسكة قوية تسندها سمعة تاريخية تزيدها قوة وتماسكا واستدامة، وكذلك بالطبع العوائد المالية. ومن هنا أيضا يبدأ انتظار ما سيتوصل إليه الفريق الضخم الذي يعكف على إعداد المقترحات حول الإدراج المشار إليه. "أرامكو" ليست شركة تطرح بعضا من أسهمها في السوق، إنها مؤسسة كبرى تفوق حجما كل الشركات الكبرى في العالم، كما أنها وضعت بالفعل مخططاتها للتوسع والاستثمار في مجال الطاقة على أسس استراتيجية، بما في ذلك التوسع عالميا عبر مشاريع مشتركة. وهناك عشرات، بل المئات من الشركات النفطية الكبرى تتطلع، لأن تكون شريكا مباشرا لـ "أرامكو" ليس فقط على الساحة الخارجية، بل الداخلية أيضا.
لا شك في أن هناك تحديات كبيرة على صعيد الطاقة في الوقت الراهن، وهذا ما أشار إليه كبار المسؤولين في "أرامكو"، لكن الصحيح أن المؤسسة يمكنها أن تبحر بأمان حتى في ظل الأمواج العاتية، مستندة إلى تجربتها المتميزة في هذا المجال، وحضورها المستدام القوي في الأزمنة الحرجة وأوقات الانفراج. سيكون طرح جزء (في حدود 5 في المائة) من "أرامكو" حدثا اقتصاديا تاريخيا ستتحدث عنه الأجيال من الزاوية الاقتصادية الفريدة. فكيف الحال لو كانت "أرامكو" ستدرج بنسبة 20 أو 30 في المائة في السوق؟