رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


الرؤية .. ورد الاعتبار للقوة الناعمة

من الأشياء الجميلة في مشاريع "رؤية المملكة 2030" هو اعتمادها إنشاء هيئتين مهمتين من الهيئات، اللتين كانتا تائهتين بين وزارة الثقافة والإعلام وبين مجموعة من المؤسسات المتناثرة في دواوين مؤسسات مهترئة، إنهما الهيئة العامة للثقافة والهيئة العامة للترفيه.
إن جميع دول العالم تحفل بالنشاط الثقافي والنشاط الترفيهي وتطلق عليه اسم القوة الناعمة، بينما كنا نحن نقف لهذين النشاطين بالمرصاد، وكنا نحارب الفن والثقافة جهارا نهارا وأحيانا نتهمهما بالحرمانية.
إن الفنانين السعوديين ــــ سواء في مجال الفن التمثيلي أو الفن التشكيلي ـــ عانوا الأمرين من سياسة التثبيط والمنع.
لا شك أن مواهب كبيرة من الفنانين أمثال حسن عسيري وناصر القصبي والسدحان والغانم وقبلهم محمد حمزة وحسن دردير ولطفي زيني وفؤاد ومحمد بخش بذلوا حياتهم من أجل بناء صروح الفن السعودي، لكن كانت العقبات أكبر من جهودهم المحدودة!
وكذلك كانت الثقافة في مرمى الهدف ابتداء من الكتاب في معارضه الدولية والمحلية، وكذلك النشر ووسائله، وكذلك بيوته وأوبريتاته ومكتباته المركزية وكل المنشآت الثقافية التابعة له مثل بناء المتاحف الثقافية والمسارح والسينما وأكاديمياتهما.. كلها كانت تحت وابل القمع والتثبيط غير المبرر.
لكن المفاجأة الجميلة أن "رؤية 2030" أتحفتنا بتأسيس الهيئات العامة للثقافة والترفيه التي نأمل أن تعوضنا السنوات العجاف التي عاشتها القوة السعودية الناعمة طوال ما يقرب من القرن.
إذن نحن في أمس الحاجة إلى مراجعة شاملة لمفهوم الثقافة والترفيه، وأتمنى أن تحمل شعار مشروع الملك سلمان للثقافة والتنوير، لأننا في حاجة إلى بناء مؤسسات وطنية ثقافية وترفيهية تقوم بدور واضح في وضع وتصميم برامج التنمية الثقافية والترفيهية، ويجب أن نشهر اعترافنا بالثقافة والترفيه ودورهما البناء في المجتمع، أمّا أن نضع معظم أنشطة الثقافة والترفيه في مرمى الاستنكار والاستخفاف، بينما العالم كله يجلل الثقافة والترفيه وينميهما وينشرهما في ربوع البلاد، فهذا ما يجب أن نعيد النظر فيه.
إذا كنا نسلم أن التنمية المتوازنة هي عمل مشترك من كل مؤسسات المجتمع، فإننا نستطيع القول إن دور المثقفين السعوديين في برامج التنمية ضعيف وهزيل.
والسبب الرئيس لغياب دور المثقفين والفنانين في التنمية أن المؤسسات الثقافية والترفيهية في المملكة ما زالت هشة وضعيفة، ولا توجد مؤسسات ثقافية وترفيهية يمكن أن نعتبرها مساهمة في التنمية، علما أن كثيرا من دول العالم المتقدم والنامي تعتبر الثقافة والترفيه مصدرين رئيسيين من مصادر إيرادات الدولة.
في المجال الرياضي نتحدث بكل فخر عن المنشآت الرياضية التي نفذتها الحكومة بنجاح منقطع النظير في كل المناطق، ولدينا منشآت جامعية ومنشآت مدرسية ومنشآت حكومية ضخمة في كل التخصصات إلا في الثقافة والترفيه، ليس لدينا ولا منشأة واحدة، ليس لدينا مكتبات مركزية عامة في المدن السعودية، ليس لدينا متاحف إسلامية وطنية كبرى في مناطق مختلفة من المدن السعودية رغم أننا البلد الذي شع منه نور الإسلام الحنيف، وفيه كل الآثار الإسلامية الجليلة التي أهدرنا ـــ مع الأسف الشديد ــــ كثيرا منها.
إذن لا تثريب على هيئة الثقافة وهيئة الترفيه أن تباشرا من الآن في بناء متاحف إسلامية وطنية في المدن الرئيسة من مملكتنا الغالية، وبالذات في المدينتين المقدستين مكة المكرمة والمدينة المنورة، وفي العاصمة الرياض التي اعترفت اليونسكو بآثارها الحضارية المبهرة، وفي جدة، وفي الأحساء وفي خيبر وفي العلا آثار وآثار حان الوقت أن نعلن احترامنا لها، وغير ذلك من المدن السعودية التي شهدت كثيرا من الحضارات القديمة الغابرة.
إن المجتمع يجب أن يتوازن، وحتى يتوازن فلا بد أن يأخذ بالخطط التنموية الشاملة في كل مجالات حياته، في مجالات الاقتصاد، والثقافة، والسياسة، والرياضة، أما أن نهتم بمحاربة الفقر اقتصاديا، وننسى محاربة الفقر ثقافيا ونحرمه دون وجه حق من حقوقه في الترفيه، فهذا مأخذ نؤاخذ عليه، ولن تكون في بلادنا تنمية متوازنة إلا إذا نفذنا مشاريع التنمية في جميع المجالات.
إن المملكة دولة عظمى ويجب أن تكون لها مؤسسات ثقافية وترفيهية تقود القوة الناعمة بحجم عظمتها وكبرها ودورها الحديث، ونعلم جيدا أن كل الدول العظمى لها مؤسسات ثقافية وترفيهية مبهرة، لها متاحف ولها مكتبات مركزية عامة، ولها دور للسينما، ولها دور للأوبرا، ولها دور للمسرح، ولها بيوت للثقافة، ولها كليات ومعاهد عليا لنشر الثقافة في ربوع البلاد، ولها معارض دولية للكتب وأسواق ثقافية، وهنا أتساءل: إلى متى نبقى بدون منارات ثقافية، وإلى متى نقبل كل أشكال وألوان استنكار الفنون المعبرة عن الحضارة الإنسانية.
إن بناء المنشآت الثقافية الوطنية الكبرى كما بنينا وعمّرنا المدن الرياضية الكبرى سيغير من قناعات من كان يستنكر كثيرا من أنشطة الثقافة، ويجب أن نتذكر أن الرياضة كانت في مرمى الاستنكار من كثير من فئات المجتمع، ولكن حينما بنينا المدن الرياضية والاستادات الرياضية انخرط الكل في تأييد ودعم النشاط الرياضي.
إن دور هيئة الثقافة وهيئة الترفيه ليس فقط الترفيه والثقافة، بل إن دورهما هو الإسهام في تنويع مصادر الدخل، وأيضا استيعاب الشباب في ممارسة أنشطة ناعمة ذات فوائد عظيمة تشغلهم وتبعدهم عن الانخراط في منظمات باتت تتصيدهم وتغرر بعقولهم وتأخذهم إلى ساحات الحروب والإرهاب.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي