قواعد معلومات لخفض البطالة

يعير المختصون معدلات البطالة اهتماما خاصا، بل إن عديدا منهم يعتبرونها أهم المؤشرات الاقتصادية، حيث تعطي هذه المؤشرات لمحة سريعة عن الأوضاع الاقتصادية في أي بلد. فارتفاع معدلات البطالة يشير إلى انخفاض كفاءة السياسات والإدارة الاقتصادية، التي تتسبب في تراجع تشغيل موارد البلاد وإحداث تشوهات ومعضلات اقتصادية مزمنة أو طارئة تمر بها الدولة. أما إذا كانت معدلات البطالة منخفضة جدا فيدل على وجود عجز في العمالة ما يقود إلى الضغط على الأجور، والتسخين الاقتصادي، ودفع معدلات التضخم المولد لمجموعة من الآثار السلبية على توزيع الدخول والثروات والموازين الخارجية وخفض قدرات البلاد التنافسية على الأمد الطويل. ولهذا يحاول صناع القرار استهداف معدلات بطالة كافية للتشغيل الكامل للاقتصاد وغير مسببة لرفع الأسعار بمعدلات مرتفعة، وتسمى معدلات البطالة هذه بمعدلات البطالة الطبيعية. ويصعب قياس معدلات البطالة الطبيعية ولكن كثيرا من المختصين يرون أنها تراوح ما بين 4 و 6 في المائة. وقد تختلف ما بين البلدان ولكنها تظهر عند حدوث توازن ما بين عرض العمالة والطلب عليها.
تولدت ضرورة وجود معدلات بطالة طبيعية نتيجة للديناميكية التي تمر بها الاقتصادات العالمية والاقتصادات المحلية. حيث تسعى الاقتصادات إلى تحفيز النمو والمنافسة ما يتسبب في تغيرات هيكلية اقتصادية تعزز نمو قطاعات معينة وتراجع قطاعات أخرى. وتقود هذه التغيرات إلى فقدان العمالة للوظائف في بعض القطاعات وتحولها إلى العمل في قطاعات أخرى، أو حدوث تغيرات تقنية في القطاعات الاقتصادية تقتضي اكتساب عمالتها مهارات جديدة. ويتطلب إعادة تأهيل العمالة للانتقال إلى أعمال أخرى بعض الوقت ما يحتم وجود بطالة مؤقتة في الاقتصاد.
من جهة أخرى فإن وجود نقص معلومات دائم عن الوظائف والعمالة لدى العاملين والمشغلين يتسبب في إحداث بطالة مؤقتة حتى تتوافر المعلومات عن الوظائف وشاغليها. ويمضي الداخلون الجدد إلى أسواق العمل بعض الوقت بحثا عن عمل، كما تسعى العمالة الموجودة في سوق العمل وبصورة مستمرة إلى تحسين أوضاعها من خلال البحث عن أعمال أخرى أعلى أجرا أو أفضل ظروفا أو أكثر مواءمة لمهارتها وقدراتها، ما يتطلب قضاء بعض الوقت لتغيير الوظائف أو البحث عن أعمال جديدة. ولهذا لا بد من وجود أعداد معينة من العاطلين عن العمل في أي اقتصاد وبصورة مستمرة. وهذا يفسر استحالة وجود معدل بطالة صفري في أي اقتصاد. وتتدخل الحكومات في أسواق العمل بتحمل بعض تكاليف البطالة المؤقتة لتمكين العمالة من البحث عن عمل. كما تدعم الحكومات برامج إعادة التأهيل والتدريب للعمالة لمساعدتها في الحصول على وظائف بديلة.
وتلعب المعلومات دورا حيويا وحساسا في خفض معدلات البطالة وتسريع حصول العاملين على أعمال، والمشغلين على العمالة الأنسب لأنشطتها. ويسود شعور عام بوجود نقص واضح في المعلومات عن العمالة الوطنية والوظائف على المستويات المختلفة في المملكة، بما في ذلك الوظائف الحكومية. فهناك جهات حكومية وخاصة بحاجة إلى عاملين في وظائف معينة، ويوجد في الوقت نفسه عاملون مهيأون للحصول على هذه الوظائف، ومع هذا تظل هذه الوظائف شاغرة لفترة طويلة من الزمن. ولتلافي هذا الوضع ترتفع الحاجة إلى إيجاد قاعدة أو قواعد معلومات عامة عن الوظائف الشاغرة في القطاعات الحكومية والخاصة لتمكين الباحثين عن عمل من الحصول على معلومات عن فرص العمل المتاحة بسهولة وشفافية، وتزويدهم بصورة أوضح للوظائف المتاحة في البلاد وأجورها ومشغليها وأماكن وجودها، ما يوفر كثيرا من الوقت والجهد على العمالة الباحثة عن الشغل. ويمكن أيضا إنشاء قاعدة أو قواعد معلومات عن طالبي العمل ومؤهلاتهم ما يوفر على الأعمال كثيرا من الجهد في البحث عن الكفاءات الوطنية، كما يعطي صورة أوضح للمشغلين عن أعداد العمالة الوطنية ومؤهلاتها، وهذا يوفر الوقت والمال للأعمال ويرفع قدرات الأعمال التنافسية. ويمكن أن تشترط أنظمة العمل على الأعمال ضرورة عرض الوظائف الشاغرة لديها لمدة معقولة في قواعد الوظائف الوطنية قبل منح الأعمال تأشيرات عمل على هذه الوظائف.
إن توفير المعلومة السريعة والسهلة والرخيصة عن الوظيفة والباحث عنها ليس كافيا وحده في القضاء على البطالة، ولكنه سيساعد كثيرا في التصدي لها، وهو من أسهل الطرق وأقلها تكلفة في خفض معدلاتها، كما سيسهم في خفض ممارسات الفساد المتصلة بالتوظيف ويرفع عدالة الحصول على الوظائف بين شرائح المجتمع، وسيعزز أيضا إنتاجية المؤسسات الخاصة والعامة وقدرتها على المنافسة وإرضاء الجمهور. وإضافة إلى ذلك ستوفر قواعد المعلومات المقترحة معلومات وبيانات سريعة وشاملة عن البطالة والتوظيف والقطاعات والمؤسسات الاقتصادية المولدة للوظائف، ما ييسر استهداف وتبني السياسات المحفزة لنمو القطاعات والمؤسسات الأكثر توظيفا للعمالة الوطنية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي