اشبع بهم يا أيها الرئيس.. ها هم يهددون سفنك
قررت المحكمة العليا الأمريكية في 21 نيسان (أبريل) الماضي تسليم 2.65 مليار دولار من أصول إيرانية مجمدة في الولايات المتحدة لعائلات الضحايا الأمريكيين الذين قتلوا في عمليات إرهابية نفذها نظام الملالي في طهران وأنصاره أو كان له ضلع فيها من خلال التخطيط والرعاية والتمويل. وقد أورد القرار ذكر بعض هذه العمليات مثل اعتداء 11 من أيلول (سبتمبر) 2001 في نيويورك، وتفجير أبراج الخبر في السعودية في عام 1996، وتفجير مقر المارينز والكتيبة الفرنسية العاملة ضمن القوات متعددة الجنسيات في بيروت في عام 1983، إضافة إلى هجوم انتحاري في مطعم بالقدس في عام 2001، لكن القرار الأمريكي أغفل ذكر عدد آخر من الأعمال المشينة التي خطط لها مرشد ما يسمى بالجمهورية الإسلامية، وأوكل عملية التدريب عليها إلى الإرهابي عماد مغنية، فيما قام تنظيم القاعدة أو عناصر حزب الله الإرهابي بعملية التنفيذ.
وهكذا بات الآلاف من أقارب الضحايا قاب قوسين أو أدنى من تلقي التعويضات بعد سنوات طويلة من الانتظار، في حدث يمكن وصفه بحتمية معاقبة الإرهابيين وإنْ طال الزمن. وبطبيعة الحال فإن الجاني ممثلا في حكومة طهران لم يكن ليرضى بقرار القضاء الأمريكي، بل عده وزير الخارجية محمد جواد ظريف سرقة فاضحة لأموال الشعب الإيراني، وكأنما حكومته "الموقرة" لا تسرق أموال هذا الشعب المسكين بإنفاقها على الميليشيات الإرهابية التابعة لها في سورية والعراق واليمن وغزة وغيرها من البلاد العربية والإسلامية.
على إثر قرار القضاء الأمريكي راحت طهران وأبواقها تولول، مهددة باللجوء إلى محكمة العدل الدولية. كما حاولت التنصل من مسؤولية اعتداءات 11 أيلول (سبتمبر) بإلقائها على السعودية، ثم راحت توسط الأمين العام للأمم المتحدة "بان كي مون"، فلم تحصد سوى الخيبة لأن نظام الملالي ــــ طبقا لقاضي المحكمة العليا الأمريكية جورج دانيلز ـــ عاجز عن إثبات براءته في مساعدة الإرهابيين للقيام بتلك العمليات الدموية القذرة، خصوصا إذا ما علمنا أن قرار إدانة النظام الإيراني لم يأت اعتباطيا، وإنما سبقته جلسات استماع طويلة، واستجوابات لعشرات الشهود والمختصين ممن عملوا في جهاز الاستخبارات الأمريكية، والبنتاجون واللجنة الوطنية للتقصي حول أحداث 11 أيلول (سبتمبر)، وسفارات واشنطن في عدد من الدول الإقليمية ذات الصلة، إضافة إلى استجواب منشقين إيرانيين كانوا يوما ما في مراكز حساسة داخل الحرس الثوري الإيراني ووزارة المخابرات (مثل أبو القاسم مصباحي). هذا ناهيك عن استعراض تقارير من المخابرات الأوروبية، وإفادات من الرئيس الإيراني الأسبق حسن بني صدر، واعترافات سجناء تنظيم القاعدة في جوانتنامو. فكانت الحصيلة هي أن الخلافات المذهبية السنية الشيعية تختفي عندما يتعلق الأمر بالعمليات الإرهابية ضد الولايات المتحدة و(المملكة العربية السعودية)، وأن كلا من حركة طالبان وتنظيم القاعدة السنيين كانا يتعاونان على نحو وثيق مع إيران الشيعية منذ بداية التسعينيات، فقد أخفت طهران مثلا سفر الانتحاريين وتنقلاتهم عبر أراضيها للوصول إلى معسكرات تدريب القاعدة، وامتنعت عن ختم جوازات سفرهم حال دخولهم أو خروجهم من الأراضي الإيرانية لأن خلاف ذلك كان سيمنع حصولهم على تأشيرات من السفارات الأمريكية. كما سهلت طهران هروب قادة القاعدة وأعضائها البارزين مع عائلاتهم من أفغانستان إلى إيران ووفرت لهم الملاذ الآمن. إلى ذلك أثبتت مذكرة إيرانية رسمية حصل عليها جهاز استخباراتي أوروبي وجود اتصالات بعلم خامنئي وإشرافه بين أيمن الظواهري كممثل للقاعدة وعماد مغنية كممثل لحزب الله، من أجل تنفيذ هجمات ضد المصالح الأمريكية.
والحقيقة أن المرء لا يحتاج إلى كبير عناء ليثبت أن النظام الإيراني منذ قيامه في عام 1979 ـــ وتحت شعار تصدير الثورة ونصرة المستضعفين ومقاومة الاستكبار العالمي ــ مسؤول عن زرع الفتن وإراقة الدماء وإنفاق مليارات الدولارات على الجماعات الخارجة عن القانون وتوفير الملجأ الآمن للقتلة والمجرمين (رموز القاعدة ومنفذي تفجير الخبر مثلا)، وتأسيس الميليشيات المسلحة كحزب الله في لبنان، وحزب الله الحجاز، وحزب الله الكويت، وعصائب الحق، ولواء بدر، والحشد الشعبي في العراق، وأنصار الله في اليمن، وميليشيا الزينبيون في باكستان، وميليشيا الفاطميون في أفغانستان.
أخيرا لم يجد الإيرانيون أمامهم، وقد حاصرتهم الاتهامات والأحكام القضائية، سوى اقتراح نشرته صحيفة "كيهان" التي يترأسها المتشدد حسين شريعتمداري الناطق باسم المرشد الأعلى، مفاده "إن السبيل الوحيد لاستعادة حقوق الأمة وإعادة الأصول الإيرانية المنهوبة هو اعتراض سفن شحن أمريكية في الخليج وحجزها". وسرعان ما التقط حسين سلامي نائب قائد الحرس الثوري الخيط ليهدد بإغلاق مضيق هرمز.
وإطلاق مثل هذا الاقتراح والتهديد ليس بمستغرب طالما أن أصحابه واثقون من أن راعي البيت الأبيض لن يحرك ساكنا بسبب سياساته المترددة وإعجابه بإيران إلى حد الهوس، فأوباما، الذي لم يكلف نفسه حتى توجيه أحد معاونيه بالرد، سبق أن قالها في مقابلة مع مجلة "بلومبيرج فيوز" في 2014/3/4 "إن الإيرانيين استراتيجيون وغير متهورين، ولديهم نظرة عالمية، ويرون مصالحهم، ويتعاملون مع حسابات الربح والخسارة". وتعليقنا هو: اشبع بهم يا أيها الرئيس.. هاهم يهددون سفنك!.