السوق المالية تهيئ نفسها لأكبر عملية طرح
تعديلات واسعة أقرتها هيئة السوق المالية السعودية هدفها تحسين البيئة الاستثمارية وتوسيع قاعدة الاستثمار والتقليل من مخاطر المضاربات، وتشجيع الاستثمار الأجنبي المباشر في السوق السعودية، فلقد كانت السوق المالية السعودية متحفظة بشأن نسب الاستثمار الأجنبي في السوق المالية، ووضعت من أجل ذلك إجراءات معقدة بتطبيق نظام التسوية للصفقات يشتمل اشتراط التوافر المسبق للنقد لعمليات الشراء ونظام مقاصة سريع جدا وهو ما يسمى T+0 أي لا يوجد أي وقت بين تحول النقد (نظرا لشرط توافره مسبقا) وتحويل الأسهم بين المحافظ الاستثمارية، ولهذا كان الأمر يتطلب من المستثمر الأجنبي توفير السيولة كاملة عند تنفيذ الصفقات وهو إجراء صعب عمليا إلا من خلال ما سمي باتفاقيات تبادل، وقد ثبت عدم قدرتها على جذب استثمارات كبيرة للسوق. لكن هذا الإجراء رغم دعمه للتبادل السريع بين المحافظ، إلا أن آثاره كانت سلبية في نواح مختلفة فقد شجع كثيرا على المضاربات الآنية، حيث يتم بيع السهم وتحويل النقد آلاف المرات في اليوم الواحد ما صعب كثيرا من قراءة حجم السيولة المتوافرة فعلا في بعض الأحيان، وكثيرا ما يستخدم هذا الأسلوب في إثارة المضاربات حول سهم معين. لهذا كله ولفتح المجال أمام استثمار أجنبي حقيقي كان لابد من التعديلات الأساسية في نظام السوق من حيث تعديل نظام التسوية للصفقات يشمل إلغاء السوق اشتراط التوافر المسبق للنقد لعمليات الشراء من خلال تطبيق مقاصة T+2 أي يتم تنفيذ التحويلات بين المحافظ بعد يومين من قبول الصفقة، وهذا يعطي فرصة كبيرة للصناديق الأجنبية لتحويل الأموال وتنفيذ الصفقات، كما سيحد من مخاطر المضاربات بشكل كبير، حيث لم يتم تحويل الأسهم إلى المحفظة وإعادة بيعها إلا بعد يومين من قبول الصفقات ما يجعل الكثير من المضاربين حريصين على عدم الخوض في مضاربات مع شركات شديدة التقلب ولا ترتكز قرارات المضاربين فيها على تحليل أساسي متين، كما أن السوق المالية السعودية بهذا ستتواكب مع أفضل الممارسات الدولية.
وبعيدا عن تنظيم السوق وهو خطوة مهمة جدا، فإنه من الواضح أن السوق المالية السعودية تعيد تهيئة نفسها من أجل استقبال الطرح الأكبر في تاريخها وهو طرح 5 في المائة من شركة أرامكو، وهذا الطرح الضخم سيطلب دخول مؤسسات استثمارية كبرى من أجل دعم السيولة ودعم المستثمرين، ولأن الطرح سيكون عملاقا فقد تم تعديل الكثير من الأدوات المالية لعل أهمها هو البيع على المكشوف، وهو إمكانية المؤسسات الاستثمارية من الإقراض بالسهم، حيث يمكن للمستثمرين تملك السهم عن طريق اقتراضه على أساس إمكانية ارتفاع سعره في المستقبل، كما تم تعديل الكثير من القيود المفروضة على المؤسسات المالية الأجنبية ومن ذلك تخفض الحد الأدنى لقيمة الأصول التي تديرها المؤسسة المؤهلة إلى 3.75 مليار ريال (مليار دولار) بدلا من 18.75 مليار ريال (خمسة مليارات دولار) سابقا. كما شملت التعديلات أن يتم السماح لتملك أكثر من 10 في المائة من أسهم أي شركة.
وإذا أضفنا إلى كل هذه التعديلات ما أعلنت عنه هيئة السوق المالية من إجراءات بشأن الشركات التي وصلت خسائرها إلى أكثر من 50 في المائة، وأيضا ما سيتم الإعلان عنه قريبا في نظام إفلاس الشركات فإن السوق المالية السعودية وبدخول طرح "أرامكو" ستكون مقبلة على مرحلة نوعية جديدة كليا، وسيكون للاستثمار المؤسسي والتحليل الأساسي دور في تقييم الشركات وفي تحديد السعر العادل لكل سهم، ما سيعزز من الاستثمار في الاقتصاد السعودي وشركاته ويوفر سيولة حقيقية للشركات القادرة على إدارتها بأفضل طريقة، كما أن فتح القنوات الاستثمارية الجيدة وتوافرها سيعزز لدى المواطنين فكر الادخار وتنمية رأس المال وهو أحد الأهداف الرئيسة التي تسعى المملكة لتحقيقها مع حلول عام 2030.