رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


تخصيص العناصر البشرية قبل الأصول

التخصيص هو تحويل الأصول العامة إلى القطاع الخاص بغرض زيادة فعاليتها أو/و تمويل القطاع العام من خلال بيعها. في العصر الحديث ارتسم دور التخصيص بإعادة بعث جديد لسياسة اقتصاد السوق التي بدأتها مارجريت تاتشر في الثمانينيات وريجان من خلال سياسة زيادة العرض. تلى ذلك ما يعرف "بإجماع واشنطن"، حيث دعت المؤسسات المالية العالمية للتخصيص كأحد سبل التطوير الرئيسة. كما أن سقوط النظام الاشتراكي زاد الثقة بهذا التوجه بعد فشل الاتحاد السوفياتي اقتصاديا. هذه الخلفية التاريخية أدت إلى اعتناق التخصيص لدى كثير من دول العالم الثالث، ولكن لم تلاق نجاحا يذكر في الكثير منها لأسباب موضوعية تتصل بالمرحلة والقواعد المؤسساتية "مستوى مطمئن من الإنتاجية، ووضوح وسرعة القضاء، ومستوى التعليم، ودرجة من العدالة في توزيع الثروة"، وكفاءة الجهاز الحكومي كي يستطيع تعظيم الفائدة من التخصيص. في نظري القطاع الخاص أكثر كفاءة في إدارة الموارد وتوزيع الأصول ومعايير الفعالية بغرض تعظيم العائد على رأس المال، ولكن القفز من هذه المفاهيم إلى التخصيص أقرب إلى الوثبة الإيمانية منه لخطة عمل رصينة أو وعي بما يحرك الفعاليات الاقتصادية "الأفراد والشركات" لتعظيم المصلحة العامة من خلال النمو الحقيقي. كل حالة مختلفة عن الأخرى.
لحسن الحظ لم تدخل المملكة في سياسة اشتراكية مثل الكثير من دول المنطقة "فروح المبادرة لدى المواطن ورجل الأعمال ما زالت صحية"، ولكن ما حدث في المملكة لم يختلف كثيرا في نهاية المطاف. فقد سمحت الثروة النفطية بتكبير الجهاز الحكومي "ونمو القطاع الخاص"، ولكن القطاع العام أصبح أكثر أهمية ومصدر نمو القطاع الخاص، وبالتالي الرغبة في تحويل هذه الأصول والأعمال إلى القطاع الخاص مفهومة. رافق هذا التطور على مدى العقود الخمسة الماضية تزايد مطرد وتناقص تدريجي، ولكنه ملحوظ في فعالية المصروفات
العامة خاصة في السنوات الـ 20 الماضية. الحالة الخاصة في المملكة تمثلت في الناحية البشرية، حيث تم توظيف المواطنين في القطاع العام وتوظيف الوافدين في القطاع الخاص في تعاكس مع ضرورات الفعالية. إذا اتفقنا على أن مصدر الفعالية والنمو في المدى البعيد هو القدرات البشرية في القطاع الخاص فكيف سيتم ذلك، بينما نحو 90 في المائة من العاملين في القطاع الخاص من الوافدين "إذا استثنينا التوطين الوهمي"، ودراساتنا يقوم بها استشاريون وافدون بعد أن أسسنا أقسام اقتصاد وبعثات منذ 50 عاما.
حديث الأمير محمد عن الإدمان يصب في التوجه العميق نحو الفهم. الإدمان على النفط يتجلى في دور العناصر البشرية عامة وخاصة كفاءة النخبة والتي رأت في الوظيفة الحكومية مصدرا للمال السهل وفرصة للتخفي عن العمل الشاق الحقيقي. الحالة السعودية تتطلب "تخصيص" العناصر البشرية قبل تخصيص الأصول. ارتفاع تكاليف القطاع العام أدى إلى رغبة ملحة ومفهومة للتخصيص ولكنه يصور التخصيص وكأنه هروب إلى الأمام أكثر منه سياسة ممنهجة. لا بد من التذكير بأن الإشكالية في المملكة ليست اقتصادية هيكلية "فنية" يقوم التخصيص بالدور المركزي في حلها ولكنها إشكالية تنموية في تداخل مع مسائل اقتصادية متشعبة وخاصة في دور العناصر البشرية ومنظومة الحوافز التي تحركها "أساليب الكسب المشروع". تجاوز هذه الحقائق سيفشل التخصيص. تقول كرن شودري إن التخصيص ينجح فقط حين ترتفع كفاءة الأجهزة الحكومية عامة وخاصة الرقابية، لعل السؤال هل وصلنا إلى هذه المرحلة؟
للتخصيص أيضا جوانب جزئية مؤثرة، التركيبة السكانية وتوزيع الثروة لا يتناسبان مع تسريع عملية التخصيص في المملكة لإعطاء الأجيال المقبلة فرصة أكبر في ظل ما ذكره الأمير عن إدمان الأجيال الحالية. هناك فرق كبير من بيع نسب صغيرة إلى القطاع الخاص، بينما السيطرة كاملة للقطاع العام. نمط تصرفات القطاع الخاص يأتي مع السيطرة وليس من خلال ملكية جزء بسيط ينتهي بنشر قوائم مالية وإسداء عضوية مجلس الإدارة إلى عضوين من القطاع الخاص من أفراد في كل مجلس إدارة يعرفون أين تقع السلطة الحقيقية لإدارة المنشأة. عدم التفريق بين التحديات التنموية والاقتصادية مصدر خلل. الحل المرحلي في نظري يتطلب تفعيل القوى البشرية تدريجيا، التعافي من حالة الإدمان يتطلب وقتا طويلا وخطوات محسوسة للطاقات البشرية. والخطوة الثانية "بيع" تدريجي لما هو قائم مثل "الاتصالات" و"معادن" و"سابك" والمصارف والتوقف عن أي تخصيص جديد لحين تغيير نوعي في الحالة العامة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي