وزارة «الطاقة» لمرحلة ما بعد النفط
جاء تحويل وزارة البترول في المملكة إلى وزارة الطاقة والصناعة والثروة المعدنية، ضمن السياق الطبيعي للتحول العام في المشهد الاقتصادي السعودي. فأدوات الأمس لا تتوافق مع أدوات اليوم والمستقبل، فكيف الحال برؤية اقتصادية شاملة تهدف في الواقع لبناء اقتصاد سعودي جديد، يقوم على أسس ومعايير جديدة تماما. هي مرحلة ما بعد النفط كما ورد ضمن رؤية المملكة 2030، لكنها في الواقع فترة بناء اقتصاد كلي مستدام، تدخل الطاقة في صلب آلياته، ولا سيما في ظل التحولات التاريخية الراهنة في السوق النفطية والتي ستتواصل إلى أن تستقر السوق في المستوى الذي ينبغي أن تستقر عليه منذ سنوات في الواقع. والطاقة في النهاية ليست النفط فقط، إنها جديدة ومتجددة، جاءت وزارة الطاقة السعودية الجديدة لتكون محورا رئيسا في سوقها وساحتها وابتكاراتها ومتغيراتها أيضا.
ومما لا شك فيه أن ضم الصناعة إلى وزارة الطاقة والثروة المعدنية سيرفع كفاءة الأداء الصناعي، خصوصا في ظل تطورات كبيرة في المشهد الصناعي المحلي، إضافة طبعا إلى المساهمات الأجنبية في الحراك الصناعي الذي بدأ يظهر على الساحة، في أعقاب التسهيلات والقوانين الجديدة المشجعة للاستمارات الأجنبية الصناعية. نحن أمام وزارة متكاملة من حيث المهام، في ساحة متفاعلة سواء على صعيد الطاقة أو الثروات المعدنية أو الصناعة. وتكفي الإشارة هنا، إلى ما قاله سابقا ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، إن المملكة لم تستخدم سوى القليل من ثرواتها الطبيعية. وهذا يعني أن المجال أصبح مفتوحا لتطوير هذه الثروات والاستفادة منها، وفق أسس عملية يكفلها الاقتصاد الوطني الجديد التي يتأسس بخطوات واثقة، ووفق استراتيجية واضحة في أدواتها وأهدافها.
المملكة تتمتع بالكثير من القدرات على صعيد الطاقة. ولو أخذنا "على سبيل المثال" الطاقة الشمسية، فإنها قادرة "وفق مختصين ألمان" على أن تفوق قدرات ألمانيا في هذا المجال، في حين تعتبر هذه الأخيرة على رأس البلدان المتطورة المستخدمة للطاقة الشمسية. وهناك أيضا استثمارات المملكة في النفط بكل أنواعه أيضا، فضلا عن استثماراتها في مراحل التحويل إلى وقود. يضاف كل هذا إلى جانب حراك البتروكيماويات الذي حقق قفزات نوعية في الأعوام الماضية، ومن المنتظر أن يشهد دوره الفاعل مزيدا من التطوير، بما يوائم المشهد الاقتصادي السعودي. وعلى صعيد الطاقة أيضا، هناك نشاط لا يتوقف على صعيد الابتكار والتطوير، والبحث عن إمكانات ومكامن جديدة سواء في المملكة أو خارجها. وبذلك ستواصل السعودية دورها الريادي في هذا المجال، سواء في أوقات الأسعار المرتفعة للنفط، أو في زمن تصحيح هذه الأسعار.
كل هذا يأتي في ظل مخططات كبرى لتطوير كفاءة الطاقة محليا، خصوصا إذا ما عرفنا أن ثلث إنتاج المملكة تقريبا من النفط، يوجه للاستهلاك المحلي. وفي كل الأحوال، تدخل وزارة الطاقة السعودية الجديدة المرحلة بما يليق بها فعلا، في خضم حراك تطبيق رؤية المملكة 2030، يضاف إلى ذلك وجود كوادر كانت جزءا أصيلا في الحراك العام على صعيد الطاقة والنفط. هناك مشاريع كبيرة في المستقبل، وكلها لا تعزز وضعية المملكة على صعيد الطاقة والصناعة فقط، بل إنها تنتج مزيدا من الوظائف التي تدخل بصورة أوتوماتيكية ضمن الإطار الشامل للرؤية الوطنية السعودية الكبرى. فقطاع التعدين يبقى قطاعا مفتوحا للمزيد من التطوير لرفع مستوى مساهمته في الناتج الإجمالي المحلي، وسيكون بلا شك رافدا آخر إلى جوانب الروافد التي انطلقت بالفعل في المملكة ولن تتوقف قبل أن تحقق غاياتها.