صناعة الترفيه .. والتحول الوطني
في أجواء ربيع 2012 الممطرة والمتزامنة مع إجازة منتصف الفصل الدراسي آنذاك كان التفكير الطبيعي لي وبعض الأصدقاء هو السفر لخارج المملكة، إلا أن أحد الأصدقاء أقنعنا بفكرة تأسيس مخيم بري وسط الصحراء، والاستمتاع بأجواء الربيع الاستثنائية. اخترنا موقعا على طريق مطار الدمام نصبنا فيه خيمتنا بتجهيزاتها البسيطة، وأقمنا فيه يومين، ثم أصبحنا نتردد عليه من الخامسة عصرا وحتى منتصف الليل لخمسة أيام مستمتعين بأجواء المطر والشواء في الهواء الطلق، ولعب كرة الطائرة، نحن وغيرنا من الشباب الذين يجاوروننا في مساحة من الصحراء المفتوحة على امتداد البصر.
في صباح اليوم السادس ودون سابق إنذار كانت معدات البلدية تزحف بشكل عنيف على مخيمنا وجميع المخيمات المجاورة وتمسح بها الأرض دون أي مقدمات تحت مبررات أنها مخالفة ولم نكن نستطع إقناع أي مسؤول بتأجيل الأمر حتى انتهاء الإجازة على الأقل!
أسوق هذا القصة الحقيقية التي عايشت تفاصيلها وحرمنا فيها أنا وزملاء أفاضل الترفيه البريء وأنا أشاهد الأمر الملكي بإنشاء "الهيئة العامة للترفيه" تجسيدا واقعيا لما طرحته الرؤية الوطنية 2030 واهتمامها بالترفيه الاجتماعي ليعكس جدية الحكومة في تعزيز الرفاهية الاجتماعية، وما يرتبط بها من أدوات تحقيقا لمفهوم جودة الحياة الذي توليه الدول المتقدمة اهتماما بالغا.
كل الدراسات الاجتماعية تجمع على أن مؤشرات الترفيه الاجتماعي في المملكة في أدنى مستوياتها وسط تزايد ضغوط الحياة الاجتماعية، واقتصر الترفيه على إنشاء بعض الحدائق العامة والمطاعم العائلية والمجمعات التجارية، وحتى هذه لن تسلم من المتطفلين والمتدخلين في خصوصيات الناس بشكل شاع معه التوجس والخوف وفقدان المتعة.
وقد كنا نتساءل ما الذي يجعل 60 ألف سعودي يغادرون في كل إجازة نهاية أسبوع إلى دولة البحرين المجاورة.؟ ولماذا وصل أعداد المغادرين في إجازة منتصف الفصل الماضي لدبي إلى 700 ألف سعودي؟ وغيرها من الإحصاءات الضخمة التي تؤكد عمق الأزمة في صناعة الترفيه المنشود. ولهذا كانت النتائج على أرض الواقع سلبية جدا بدءا من ارتفاع الطلب على السياحة الخارجية بشكل مضاعف سنويا، ومرورا بتراجع رغبات المستثمرين في تأسيس مشاريع نوعية للترفيه، وانتهاء بارتفاع نسبة الأمراض النفسية في المملكة التي تؤكد الإحصائيات الرسمية أنها زادت بنسبة 35 في المائة.
ويزيد الأمر سوءا فيما يتعلق بالشباب المتعطش للترفيه المبتكر والجذاب، حيث الاتجاه إلى ظواهر مزعجة للدولة ومخلة بالأمن كالتفحيط، والاستعراض بالأسلحة النارية، والصيد المضر بالبيئة، والمخدرات والتزاحم على "مقاهي التدخين" وربما يصل الأمر إلى الجنوح نحو مسالك التطرف والإرهاب.
أمام هيئة الترفيه مسؤولية ضخمة وتجربة جديدة في إعادة الحياة لمجتمع كامل والتعامل مع الأمر بجدية ومهنية عالية فصناعة الترفيه لها تفاصيلها المتداخلة اقتصاديا وتنمويا واجتماعيا.