رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


الفرص المضيعة والضائعة

أن نتطلع ونحمل في وعينا آمالا كبيرة لا يعني بالضرورة أنها ستحقق أو أننا قريبون منها، ذاك مرتهن بشيء ثالث اسمه "الاستحقاق" أن نكون مستحقين لها بأعمالنا وفي صفات أنفسنا، وسمات عقولنا.
غواية الأماني هي واحدة، في السياسة والاقتصاد، وفي النجاح والفشل للأفراد، هي دائما .. أخطر مما نتصور، وأشد تعقيدا مما نعتقد، عبر التاريخ، دول غير قليلة أردتها أمانيها، بوهم القوة، أو أمنية النصر المتدلي، وقريب النوال، الذي يغري بالعبور إليه .. ففي السياسة هذا جون كندي يأمر بالنزول إلى خليج الخنازير في الساحل الجنوبي لكوبا، مدعوما بسلاح الجو .. وبعد ثلاثة أيام فقط، أسر الجيش الثوري الكوبي 1179 جنديا، واستولى على أربع دبابات، وعشرات من الأسلحة الفردية، وتم إغراق أربع سفن حربية عملاقة، وإسقاط 12 طائرة قاذفة! الوهم الكبير هذا ابتلي به جورج بوش الابن، الذي قرر احتلال العراق والبقاء فيه كغنيمة نفط باردة، وإذا هو يكلف الخزانة الأمريكية تريليون دولار، و4850 جنديا وأكثر من 35 ألف جريح ومعوق إعاقات مزمنة!
وهتلر كان لديه إلحاح عنيد على ضم كل أوروبا إليه، أيا كانت الأسباب التاريخية لهذا القرار، إلا أن تلك الرغبات انتهت إلى ابتلاعه السم وتدمير ألمانيا، ذاك الدمار المروع الذي لم يظهر عليها العافية منه إلا بعد مضي ربع قرن من الزمان عليه.
وفي وقائع التاريخ ماضيه وحاضره الكثير من الدول التي قتلتها ـــ الرغبات القريبة ـــ والانتصارات السهلة ـــ قبل أن تكتشف أنها رعشة الفراشات حول عمود النور الذي يستكتم في داخله أجلها وسبب موتها.
أما في الاقتصاد فليس ببعيد كثيرا عن الغواية ذاتها، والمصير المهلك ذاته، على سبيل الفرص الضائعة، أو الثروة المضيعة، فمخترع ـــ الكوكا كولا ـــ "جون أستيث بمبرتون" باع "خلطته السرية" بسبعة آلاف دولار فقط لا غير، لينظر إليها ورثته بعد قليل وهي تتخطى المليارات، وتعبر القارات، وتدر أرباحا هي أفضل بكثير من مخزون النفط لدى كثير من الدول!
قبل أن يكون هذا سوء حظ، كان له نصيب وافر من سوء التقدير، والتردي في الطمع المستعجل، وعدم القدرة على الصبر لفهم مسار المنتج، وفرص نجاحه! الجدير بالذكر أن ورثته الآن هم فقراء جدا .. ويعبرون كل يوم على أغلى اسم تجاري البالغة قيمته أربعة مليارات دولار، الذي أنتجه جدهم وباعه مع سر تركيبه بسبعة آلاف دولار فقط .. كانت من الفرص المضيعة!
منجم ذهب في دولة خليجية تم تأجيره على مستثمر بما يعادل مليوني ريال سنويا فقط للتنقيب فيه، هذا المستثمر قام خلال السنة ذاتها بتأجيره أيضا باثنين ولكن (مليار)! وهكذا دواليك بما لا عد له ولا عدد! ليس في هذا ولا ذاك سوء حظ .. بقدر ما فيه من سوء التقدير، وخبث الفساد، وشره المستطير..
بقليل من التأمل في الفرص الضائعة، والفرص المضيعة، سنحتاج إلى مركز وطني متخصص للبحث عنهما، في كل قرار حكومي، وفي كل مشروع، حتى لا تخسر خزانة الدولة مليارات كفرصة ضائعة، أو كفرصة مضيعة!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي