اختيار التخصص
ذكرت إحصائية حديثة أن ربع السعوديين يكرهون تخصصاتهم الجامعية بسبب عدم اختيار التخصص المناسب من البداية. الواقع أن المشكلة قديمة حديثة، لكنها أقرب للحاضر. يعمل الشاب والشابة على البحث عن التخصص الذي يضمن الوظيفة المناسبة بغض النظر عن ملاءمة التخصص، سبب هذا التوجه هو الخوف من شبح البطالة الذي يطل برأسه لكثير ممن يتخرجون في تخصصات أقل جاذبية في سوق العمل.
تعتمد القدرة على العمل والإنتاج بعد التخرج - إلى حد بعيد - على المستوى العلمي الذي يحققه الطالب في جامعته، وهذا يعني أن فرص من يختارون التخصص لضمان الوظيفة يحصلون على فرص أقل في السوق لأنهم – بالتأكيد – لن يحققوا تفوقا في مجموع علاماتهم عند التخرج.
الانطباع الذي يتركه حال السوق لدى الشباب ليس السبب الوحيد لاختيار تخصصات غير مناسبة. هناك حالة من عدم الاكتراث بالمهارات الشخصية والقدرات الفردية للطلبة في مدارسنا، هنا يكتشف الطالب في الجامعة أن قدراته ليست كما كان يتوقع، بل إن ما تتركه لديه سنوات الدراسة من انطباعات عن مهاراته ليست دقيقة ولا واقعية. يجب البدء في تقرير القدرات والبحث في الإمكانات من مكونات التعليم في المراحل الدراسية المبكرة.
الواقع أن هناك حالة من التركيز على المواد الورقية، وابتعاد كبير عن التطبيق العملي، وهذا سبب مهم في ابتعاد الأشخاص عن المجالات الحقيقية لتفوقهم، يمكن أن ينظر الواحد منا لعدد السنوات الدراسية ويستغرب كيف يمكن أن يمر الطالب بكل هذه الخبرات، ويستمر في الجهل بقدراته وإمكاناته الحقيقية. النقص موجود في المكونات البيروقراطية للعملية التعليمية، وهذا يستدعي أن تتحول المدرسة إلى منبع للمهارات ودافع للقدرات في مختلف المجالات المهنية والتقنية والعلمية والبحثية. عندما نتمكن من تحديد مهارات الطلبة، سنكون أقدر على تكوين المسارات التربوية المناسبة لكل منهم، بما يضمن تخرج أعداد أكبر وبمستويات أرقى في مختلف التخصصات.
ليست كراهية التخصص النتيجة الوحيدة لهذه الأخطاء، بل إن التحولات النفسية والاجتماعية الناتجة عن عدم الرضا عن مجال العمل وبيئته يمكن أن تكون سببا لوقوع نتائج أكثر خطورة من مجرد إهمال الواجبات العملية، وإنما يدفع باتجاه التقرب إلى فئات ونشاطات قد تكون خطيرة على الشخص وعلى أسرته ومجتمعه، وهو أمر أكثر حاجة للبحث والدراسة والتحقيق.