رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


من عقبة واحدة إلى أربع عقبات

كانت العقبة أمام تحقيق السلام في أفغانستان خلال السنوات الماضية هي حركة طالبان المتشددة التي خرجت من السلطة في عام 2001 تحت الضربات الجوية الأمريكية. اليوم صارت العقبة أربع عقبات طبقا للرئيس الأفغاني "أشرف غني" الذي قال أمام مجلسي البرلمان الأفغاني في 25 من نيسان (أبريل) إن تلك العقبات تتمثل تحديدا في "داعش والقاعدة وشبكة حقاني وبعض فصائل طالبان التي تستمتع بإراقة دماء المواطنين".
يحاول غني جاهدا ألا يفشل فيما فشل فيه سلفه "حامد كرزاي" لجهة إعادة الأمن والاستقرار إلى ربوع بلاده المنهكة، وذلك من خلال الرضوخ لمطالبات عملية السلام التي تقودها الولايات المتحدة منذ عدة أشهر بالاشتراك مع روسيا والصين وباكستان. فقد أبدى استعداده للجلوس مع خصومه، وشارك بحماس ونية صادقة في محادثات السلام التي تستضيفها إسلام أباد، معولا على إمكانية حدوث انشقاقات في صفوف الطالبانيين بعد اختفاء زعيمهم الأهوج "الملا عمر آخوندزاده" عن المشهد السياسي بالموت، ومعولا في الوقت نفسه أيضا على ضغوط قد تمارسها القوى الكبرى على باكستان التي لطالما اشتكت كابول من احتضانها ودعمها لخصومها المتطرفين. فلا حدث هذا ولا حدث ذاك، فيما عدا انشقاق مجموعة لا وزن ولا تأثير لها عن حركة طالبان.
الآن هناك ما يوحي بنفاد صبر الحكومة الأفغانية الشرعية وزعيمها غني، لاسيما بعد استهداف الطالبانيين وأنصارهم مقرا للاستخبارات في كابول في منتصف نيسان (أبريل) تقريبا في عملية راح ضحيتها ما لا يقل عن 64 قتيلا.
غير أن غني لا يملك الكثير ليفعله، ولا يمتلك أوراق ضغط يلجأ إليها. فأعداء السلام من القاعديين والطالبانيين والحقانيين وأنصارهم المتشددين ماضون في غيهم، تفجيرا وقتلا وتدميرا، للبنى التحتية والمنشآت العامة، بل إنهم يستعدون، غير آبهين بمحادثات السلام، لشن هجمات دموية جديدة ضمن حملة الربيع الحالية التي أطلقوها منذ نحو ثلاثة أسابيع من أجل إضافة المزيد من الأراضي في إقليمي هيرات الغربي وكونار الشرقي إلى أراضي إقليم هلمند الجنوبي الذي يقبع تحت سيطرتهم. والمعروف أنهم تسببوا في خلال عام واحد فقط في مقتل أو إصابة نحو 11 ألف مدني أفغاني، إضافة إلى قتل 5500 عنصر من قوات الأمن الحكومية.
ومن هنا رأينا لجوء غني إلى خطاب، ربما لا يملك غيره، مفاده أن محادثات السلام الجارية في باكستان لا يمكن أن تستمر إلى ما لا نهاية. وفي هذا تهديد مبطن باحتمال انسحاب كابول منها مع تحميل باكستان والقوى الكبرى المشاركة مسؤولية الفشل لعدم تمكنها من لجم الطالبانيين وأنصارهم، أو إقناعهم بالتفاوض دون الشرط التعجيزي المسبق وهو ضرورة انسحاب جميع القوات الأجنبية من أفغانستان أولا! ومما يجدر بنا ذكره في هذا السياق أن الحكومة الأفغانية بقيادة غني انتهجت منذ العام الماضي نهجا جديدا يرتكز على تحسين وتطوير العلاقات الأفغانية ـــ الباكستانية، والعمل على الاستفادة منها لجهة دفع إسلام أباد نحو إقناع الفصائل الأفغانية المتشددة بفوائد السلام والمصالحة.
غير أن غني لم يوصد الباب نهائيا حتى الآن في وجه عملية السلام، ولا يزال لديه بصيص أمل لجهة إقناع واشنطن وموسكو وبكين بمخاطر الجماعات الإرهابية الأفغانية على مصالحها خارج أفغانستان. ففي نظره ـــ كما كرر أكثر من مرة ـــ أنه لا يوجد إرهاب حميد وإرهاب خبيث كي تتعامل الدول الكبرى والمجتمع الدولي بمنظارين مختلفين، وخصوصا أن منبع وجذور الإرهاب الذي تشكو منه واشنطن وكذلك موسكو تكمن في القاعدة وطالبان اللتين فرختا المجموعات المتشددة التي تقاتل اليوم في العراق وسورية، وتنفذ العمليات الإرهابية في قلب أوروبا بدعم وتسهيل مستتر من أنظمة ومنظمات لها مصلحة في إغراق العالم المتمدن في أتون الفوضى الدائمة.
من جهة أخرى، يبدو غني، خلافا لسلفه كرزاي، يراهن على قيام باكستان بعمل عسكري حاسم في مدن أقاليمها الغربية (مثل بيشاور وكويتا تحديدا) حيث يوجد من سماهم الرئيس الأفغاني أخيرا بـ "الطالبانيين وعبيدهم"، متخذين منها ملاذا آمنا، خصوصا بعدما باتت باكستان محرجة أمام حلفائها لوجود هؤلاء على أراضيها، ناهيك عن أنهم نجحوا في إقامة ما يشبه الدويلة الخارجة عن سلطة الدولة الباكستانية.
ومن هنا كانت دعوة غني أمام برلمان بلاده لباكستان إلى ضرورة تحركها وضرب معاقل هؤلاء دون هوادة تنفيذا لوعد سابق قطعته باكستان على نفسها بمعاقبة أي جهة تتسبب في تعطيل أو فشل محادثات السلام التي تستضيفها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي