أمريكا والسعودية.. الاستراتيجية والتكتيك

ظهر جون برينان رئيس الاستخبارات المركزية الأمريكي CIA قبل أيام في برنامج "واجه الصحافة" على شبكة "إن بي سي" التلفزيونية، قال فيه تصريحات أخذت صدى واسعا لا سيما في المجتمع الأمريكي المهتم بملف الـ28 صفحة التي استغلها البعض للترويج بشائعات مكذوبة لاحتمالية ضلوع السعودية في أحداث 11 أيلول (سبتمبر). قال برينان في اللقاء إن لجنة التحقيق في أحداث 11 أيلول (سبتمبر) تابعت المعلومات الأولية في الصفحات الـ 28، وتوصلت إلى حكم واضح للغاية، وهو أنه لا يوجد دليل يشير إلى أن الحكومة السعودية كمؤسسة أو أن المسؤولين السعوديين بشكل فردي لهم دور في هذه الأحداث، ولا دليل أيضا على أنهم دعموا تنظيم القاعدة ماليا. كما عبر برينان عن قلقه من استغلال البعض "المعلومات غير المؤكدة"، وبالتالي سيقومون بالإشارة إلى تورط السعودية، وقال إن ذلك سيكون "غير دقيق بالمرة". ولم ينس برينان أن يشير إلى علاقة الصداقة القوية التي ربطت الولايات المتحدة بالسعودية وبأن العلاقات الثنائية بين البلدين تمر بمرحلة ازدهار وهي في أوجها. ظهور برينان في هذا التوقيت جاء بعد تشويش غائم من زخم إعلامي أمريكي حول الـ 28 صفحة غير المعلنة، وبعد تصريحات واضحة من وزيرنا عادل الجبير التي دعمت تصريحات سابقة للراحل سعود الفيصل، عن أن لا شيء تقلق منه السعودية بشأن الأوراق غير المعلنة.
الاختلاف السعودي - الأمريكي في ملفات المنطقة وضحته تصريحات أمريكية أن الاختلاف تكتيكي وليس استراتيجيا. عام 2013، قال وزير الخارجية الأمريكي جون كيري في تصريح إنه لا وجود لخلافات بين واشنطن والرياض حول الملف السوري، مؤكدا أن هذه الخلافات تتعلق بـ "التكتيك" وليس بالهدف المتمثل بانتقال السلطة في سورية "ثمة دول في المنطقة تريد من الولايات المتحدة أن تفعل شيئا ما فيما يخص سورية ولكننا عملنا شيئا مغايرا.. ولكن هذه الخلافات تخص تكتيكا معينا اتبعناه لتنفيذ سياسة، نحن نشترك في الهدف الأساسي ..". كذلك قال باراك أوباما في زيارته الأخيرة إبان قمة الرياض في مؤتمر صحافي عقب انتهائها "هناك تقارب في وجهات النظر إزاء الكثير من القضايا إلا أن هناك خلافا تكتيكيا بين الجانبين الخليجي والأمريكي حيال التعامل مع إيران".
ثمة فرق بين العلاقات الاستراتيجية بين الدول وبين الخلافات التكتيكية. وليس بالضرورة أن يتم في الاتفاق الاستراتيجي تطابق جميع الرؤى التكتيكية. إذ قد تكون العلاقات بين الدول من ناحية العلاقة الاستراتيجية أكثر ثباتا من مراحل الاختلافات التكتيكية، وهي تدور حول اختلاف السبل للوصول إلى الأهداف المتفق عليها. كذلك الأمر إلى حد ما بالنسبة لدول الخليج، هم الذين يتفقون على الاستراتيجيات الأساسية، وإن اختلفت التكتيات، إلا أنهم بلا شك يتحدون وقت الأزمات. أمريكا تتعامل مع المسألة كخلاف تكتيكي ضمن تحالف استراتيجي مستمر. ولا تختلف السعودية وبقية الخليج على أن التحالف مستمر إلا أنهم يرون الاختلاف بدأ بأخذ منحى استراتيجي أكثر منه تكتيكي في المرحلة الراهنة. العلاقة السعودية - الأمريكية علاقة استراتيجية لا يمكن فعليا أن تحل محلها أي علاقة أخرى في المنطقة ومن بين ذلك إيران. يعيش أوباما وإدارته حاليا مرحلة البطة العرجاء في الأشهر الأخيرة من ولايته مع انشغال الأمريكيين بالانتخابات. والأشهر الأخيرة هذه لن تحمل جديدا يذكر سوى ترقب المشهد الذي سيحمل الرئيس الأمريكي المقبل. لذا كان لزاما الحفاظ على علاقات هادئة ومستقرة حتى الرئيس المقبل.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي