التفتوا إلى الحوادث المرورية.. الخسائر مهولة
عانت شركات التأمين في المملكة زيادة ملحوظة في حوادث السيارات وترتب على ذلك زيادة في تحمل تبعات تلك الحوادث المرورية، حيث تضاعفت تكاليف وثائق التأمين وأدى ذلك إلى تذمر العملاء، وفي الوقت نفسه تعرضت شركات التأمين لخطر الإفلاس التجاري بسبب زيادة الخسائر على المتوقع في دراسات المخاطر المعتادة. وكان أيضا ارتفاع الديات ثلاثة أضعاف من التكاليف غير المحسوبة إضافة إلى تعويضات الإصابات بالمعدل نفسه تقريبا.
وقد حذر المتحدث الرسمي باسم اللجنة التنفيذية لشركات التأمين من ارتفاع أرقام الحوادث بشكل كبير جدا في السنوات الأخيرة ما يؤدي إلى خسائر مادية واجتماعية مهولة، حيث يجب الالتفات سريعا لهذه المشكلة من الجهات المعنية حتى لا تتفاقم أكثر، إضافة إلى أنه وفقا لإحصائيات شركة نجم لخدمات التأمين فقد ارتفع عدد الحوادث خلال السنوات الخمس الأخيرة بمعدل 33 في المائة سنويا، حيث كان عدد الحوادث في عام 2011 عند 306 آلاف حادث، وزادت في عام 2015 إلي أكثر من 962 ألف حادث.
إن هناك عقوبات تضمنها نظام المرور ولائحته التنفيذية، ومعظم الحوادث ناتجة عن مخالفات من أحد الأطراف؛ فضلا عن أن جميع المخالفات يتم إقرارها في حال وجود مخالفة. ومن المؤسف أن بعض المخالفات البسيطة قد أودت بأرواح أبرياء، ولكن لم تقف الجهات الرسمية مكتوفة الأيدي، بل أعادت النظر في بعض المخالفات التي أصبحت تتجاوز المخالفة لتكتسب صفة الجريمة، وذلك بحسب التوصيف الجديد للجرائم الموجبة للتوقيف. فقد صدر قرار وزير الداخلية بتحديد الجرائم الكبيرة، حيث تضمنت (الفقرة 17) حوادث السير في أثناء قيادة المركبة تحت تأثير المسكر أو المخدر أو المؤثر العقلي أو التفحيط أو قيادة المركبة في اتجاه معاكس لحركة السير أو تجاوز إشارة المرور الضوئية أثناء الضوء الأحمر، إذا نتج عنها وفاة أو زوال عضو أو تعطيل منفعة أو جزء منها، أو إصابة مدة الشفاء منها تزيد على 15 يوما.
إن الموقف الفقهي بخصوص تلك الحوادث الشنيعة يتجاوز حدود الفتوى الفردية إلى الفتوى الجماعية، حيث أقر مؤتمر مجلس الفقه الإسلامي الدولي المسؤولية الجنائية على قائدي المركبات في حال السرعة وعدم المبالاة، ووجوب التزامهم بأنظمة المرور التي قصد بها المصلحة العامة، وتحريم تصرف قائد المركبة تصرفا يفضي غالبا إلى الإضرار بنفسه أو بغيره، ويضمن ما ترتب على تصرفه من أضرار. ومن ذلك قطع الإشارة الحمراء والسرعة العالية المفرطة والاستعراض بالسيارة (التفحيط) والمطاردات غير المشروعة والإهمال في صيانة أو قيادة المركبة إهمالا ينشأ بسببه الضرر.. تلك وغيرها تترتب عليها مسؤولية جنائية؛ لأنها بمنزلة مشروع ارتكاب جناية بحق الآخرين والنفس أيضا.
لقد قرر الفقهاء أن يتحمل المباشر لقيادة السيارة المسؤولية الجنائية عمدا أو شبه عمد أو خطأ بحسب الحالة وبحسب الظروف والملابسات، ولولي الأمر والقضاء إيقاع عقوبة التعزير المناسبة. ومن المفترض أن تؤدي العقوبات بحسب مآلها المعتاد إلى تقويم سلوكيات الفرد وتغييرها نحو الأفضل، ثم الحرص على تنمية وعي الفرد تجاه المجتمع لضمان تحقيق الهدف الذي هو في النهاية ناتج جماعي يكتسبه الكل وليس على مستوى فردي. والحقيقة أن نتائج تطبيق نظام "ساهر" أسهمت في تغيير سلوك سائقي المركبات، وهو ما يمكن معرفته من خلال إحصائية دقيقة توضح كيفية تغير سلوك قائدي المركبات.