رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


البعد الثقافي .. في رؤية السعودية 2030

إن رؤية السعودية 2030 ستعالج عديدا من القضايا الاقتصادية والتنموية والاجتماعية وكذلك الثقافية والرياضية، حسبما جاء في بنود الخطة الجديدة خاصة فيما يتعلق بقضايا هموم الشباب المختلفة، وبالذات حينما قال الأمير محمد بن سلمان في مقابلته الرائعة مع قناة «العربية» يوم الإثنين الماضي "إن من غير المعقول أن يبزغ فجر الإسلام من هذه الأرض المقدسة، وليس فيها متحف إسلامي يعرض آثار هذا الدين الأقوم"، وكذلك حينما قال "سنعنى بالمسرح والسينما والترفيه بعامة بما لا يخالف شريعتنا الغراء"، وأتمنى أن يكون المتحف الإسلامي الذي يتطلع إليه الأمير محمد منافسا مع متاحف عالمية مثل اللوفر والميتروبوليتان.
نحن هنا نبحث في رؤية السعودية 2030 عن هذا النشاط الثقافي الغائب من أجندة الحكومة لعقود من الزمان، ولقد كتبتُ عشرات المرات أطالب ببرنامج حكومي ينشر الثقافة بين ربوع الشباب السعودي المتعطش إلى القوة الناعمة.
ولكمْ أن تتصوروا أن السعودية بحجمها الكبير في المجتمع الدولي لا توجد فيها منشآت ثقافية توازي وضعها المهم، بينما تحتل المنشآت السياسية والرياضية والتعليمية والصحية والاجتماعية ــ بحمد الله ــ كل أرجاء مملكتنا الفتية.
إن ما يمثل المؤسسات الثقافية في بلادنا الآن هو الأندية الأدبية وجمعية الفنون وجمعية الطوابع، والمفروض أن تكون هناك صروح للثقافة وبيوت ومنابر ومتاحف ومؤسسات تعنى بكل فنون الحياة ابتداء من الفن التشكيلي حتى السينما والمسرح وبناء المتاحف الوطنية الكبرى، وتجليل الآثار لا استنكارها أو استهبالها، وكذلك بناء الأكاديميات والمعاهد العليا لتخريج كوادر الفنون وكوادر السينما والمسرح والآثار.
إذا كنا نسلم بأن التنمية المتوازنة هي عمل مشترك من كل مؤسسات المجتمع، فإننا نستطيع القول إن دور المثقفين السعوديين في برامج التنمية ضعيف وهزيل.
والسبب الرئيس لغياب دور المثقفين في التنمية أن المؤسسات الثقافية في المملكة ما زالت هشة وضعيفة، ولا توجد مؤسسات ثقافية يمكن أن نعتبرها مساهمة في التنمية.
ونؤكد أن موقفنا المناهض للثقافة والتراث أحدث فراغا في عقول الشباب وجعلهم يستقبلون ويمارسون ثقافة الكراهية والعنصرية والإرهاب.
في المجال الرياضي نتحدث بكل فخر عن المنشآت الرياضية التي نفذتها الحكومة بنجاح منقطع النظير في كل المناطق، ولدينا منشآت جامعية ومنشآت مدرسية ومنشآت حكومية ضخمة في كل التخصصات إلا في الثقافة، ليس لدينا ولا منشأة واحدة، ليس لدينا مكتبات مركزية عامة في المدن السعودية، ليس لدينا متاحف إسلامية وطنية كبرى في مناطق مختلفة من المدن السعودية، رغم أننا البلد الذي شع منه نور الإسلام الحنيف، وفيه كل الآثار الإسلامية الجليلة التي أهدرنا ــــ مع الأسف الشديد ــــ كثيرا منها.
حقيقة، نحن في أمس الحاجة إلى مراجعة شاملة لمفهوم الثقافة، وأتمنى أن نعلن عن مشروع للثقافة يحمل شعار مشروع خادم الحرمين الشريفين للثقافة الوطنية، لأننا في حاجة إلى بناء مؤسسات وطنية ثقافية تقوم بدور واضح في وضع وتصميم برامج التنمية الثقافية، ويجب أن نشهر اعترافنا بالثقافة ودورها، أما نضع معظم أنشطة الثقافة في مرمى الاستنكار والاستخفاف، بينما العالم كله يجلل الثقافة وينميها وينشرها في ربوع البلاد، فهذا ما يجب أن نعيد النظر فيه.
إذن لا تثريب على وزارة الثقافة والإعلام أن تباشر من الآن في بناء متاحف إسلامية وطنية في المدن الرئيسة من مملكتنا الغالية، وبالذات في المدينتين المقدستين مكة المكرمة والمدينة المنورة، وفي العاصمة الرياض التي اعترفت اليونسكو بآثارها الحضارية المبهرة، وفي جدة، وفي الأحساء وفي خيبر وفي العلا آثار وآثار حان الوقت أن نعلن احترامنا لها، وغير ذلك من المدن السعودية التي شهدت كثيرا من الحضارات القديمة الغابرة.
إن المجتمع يجب أن يتوازن، وحتى يتوازن فلا بد أن يأخذ بالخطط التنموية الشاملة في كل مجالات حياته، في مجالات الاقتصاد، والثقافة، والسياسة، والرياضة، أما أن نهتم بمحاربة الفقر اقتصاديا، وننسى محاربة الفقر ثقافيا، فهذا مأخذ نؤاخذ عليه، ولن تكون في بلادنا تنمية متوازنة إلا إذا نفذنا مشاريع التنمية في جميع المجالات.
وإذا كنا نصف المملكة جنبا إلى جنب مع الدول العظمى، فإنه يجب أن تكون لها مؤسسات ثقافية بحجم عظمتها وكبرها ودورها الحديث، ونعلم جيدا أن كل الدول العظمى لها مؤسسات ثقافية مبهرة، لها متاحف ولها مكتبات مركزية عامة، ولها دور للسينما، ولها دور للأوبرا، ولها دور للمسرح، ولها بيوت للثقافة، ولها كليات ومعاهد عليا لنشر الثقافة في ربوع البلاد، وهنا أتساءل إلى متى نبقى دون منارات ثقافية، وإلى متى نقبل كل أشكال وألوان استنكار الفنون المعبرة عن الحضارة الإنسانية، وإلى متى نقبل بأن نظل أسيري الأفكار المحنطة التي ترمي الثقافة بمخالفتها التقاليد والشرائع!
إن بناء المنشآت الثقافية الوطنية الكبرى ــــ كما بنينا وعمرنا المدن الرياضية الكبرى ـــ سيغير من قناعات من كان يستنكر كثيرا من أنشطة الثقافة، ويجب أن نتذكر أن الرياضة كانت في مرمى الاستنكار من كثير من فئات المجتمع، ولكن حينما بنينا المدن الرياضية والاستادات الرياضية انخرط الكل في تأييد ودعم النشاط الرياضي.
إننا نحتاج إلى تعريف الناس بأهمية الثقافة ودورها في بناء الأمة وتنوير الشباب "ولا ننسى أننا في عصر الشباب"! حتى يقتنع من يستنكر الثقافة بأهمية الثقافة ودورها في التوعية والتنوير وبناء الوطن.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي