رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


«رؤية 2030» .. نظرة تفاؤلية للمستقبل

يعيش كثير من شعوب منطقتنا وضعا حرجا، حيث تعم أحوال عدم الاستقرار والفوضى والقلاقل معظم أرجائها، وتسود حالة من التشاؤم منطقة الشرق الأوسط بسبب المصائب التي تتوالى على عديد من شعوبها، وفي وسط هذا المحيط البائس تعيش المملكة ومنطقة الخليج العربي في بحبوحة من الاستقرار والنعم بفضل الله -سبحانه تعالى-، ثم بفضل تعقل شعوب وقيادات دول الخليج العربي، وفي ظل الظروف الصعبة التي تسود المنطقة، زاد التراجع الحاد في إيرادات النفط من حالة الإحباط لدى كثيرين حول مستقبل منطقة الخليج، ورغم كل ما يظهر على الساحة من إحباطات لم تتوقف حكومتنا الرشيدة عن العمل والتخطيط للمستقبل، حيث أعلن مجلس الوزراء بقيادة خادم الحرمين الشريفين رؤية المملكة لعام 2030، وتحدد الرؤية أهدافا مستقبلية ينبغي الوصول إليها عند ذلك التاريخ، ويجري العمل على تصور وتحديد الآليات والسياسات التي ستمكن بلادنا الحبيبة من الوصول إلى هذه الأهداف.
إن تحديد رؤية طويلة الأجل لوضع المملكة -دون الخوض في تفاصيلها- يعتبر مظهرا إيجابيا يبث الأمل لدى فئات المجتمع المختلفة في مستقبل أفضل لهذا الشعب، ويأتي الشباب على رأس قائمة المجتمع والمتأثر الأكبر بالرؤية المستقبلية والسياسات والآليات التي ستطبق للوصول إلى أهدافها، وسيحفز بث روح التفاؤل بمستقبل أفضل همم وحماس الشباب، الذين هم عماد المستقبل وبنيته التي ستساعد في تحقيق أهداف الرؤية. ولعل من أقوى عوامل التنمية والنجاح على مستوى البلدان والأشخاص هو نشر حالة التفاؤل حول المستقبل، واحترام الذات، والروح الإيجابية التي تدفع لمزيد من العمل والنجاح، وتعتبر القيادات المحلية والدولية والشخصية ناجحة إذا أفلحت في رفع مستويات التفاؤل والأمل في مجتمعاتها وأسرها ورفعت معنوياتها. ويركز المغرضون والناقمون على المملكة على تثبيط همم بلادنا وسكانها وتقليص دورها إلى مجرد بلد منتج للنفط ومعتمد عليه وغير قادر على العيش دونه، في محاولة لنشر التشاؤم لدى كثيرين وخفض الثقة بقدرتهم وقدرة بلادنا على الانتقال لمرحلة ما بعد النفط. وتملك المملكة مقومات استراتيجية واقتصادية قوية وفعالة قادرة على الاعتماد على الذات والانتقال لمرحلة ما بعد النفط، وهو ما تؤكده الرؤية المستقبلية للمملكة عام 2030.
إضافة إلى ذلك يعتبر البحث والعمل على الانتقال الفعلي لمرحلة ما بعد النفط مؤشرا إيجابيا وإدراكا لخطورة المرحلة الحالية وضرورة استغلال الفرص المتاحة حاليا لتنويع اقتصاد المملكة، وقد ولدت التدفقات الكبيرة للإيرادات النفطية في السنوات الماضية حالة من الاعتماد على هذه الثروة، والتراخي أحيانا عن حقيقة ضرورة استبدالها وقرب انتهاء عصرها الذي يبدو أنه ليس بعيدا. لقد مضى على إنتاج النفط في المملكة نحو 70 عاما، وقد حققنا كثيرا من النجاحات التنموية وإن كانت أقل مما كان مفترضا، إلا أنها ستساعد بلادنا على الانتقال إلى مستقبل زاهر لو أحسنا التصرف خلال العقدين القادمين. وتركز الرؤية على ضرورة استغلال الوقت في الانتقال لمرحلة ما بعد النفط والتنمية النوعية وتعظيم استغلال وكفاءة الموارد البشرية والمادية.
إن عديدا من أهداف الرؤية يبدو عاليا وصعب التحقيق ولكن ليس هناك شيء مستحيل على الشعوب الحية، فقد حققت عديد من دول العالم وثبات كبيرة خلال فترات زمنية قصيرة. ويمكن للمملكة أن تصل إلى أهداف هذه الرؤية بل وتتخطاها خلال الـ15 عاما القادمة، وعلينا الثقة بأنفسنا وقدرتنا على تخطي الصعاب وتبني الإصلاحات والسياسات والآليات الضرورية لتحقيق النجاح. ولا يمكن الوصول إلى أهداف الرؤية دون كثير من الثقة بالنفس والاعتماد على الذات، وذلك بعد الثقة بتوفيق الله وحفظه لهذه البلاد. وأن الله سييسر أمور هذه البلاد وشعبها ما دامت مواصلة ومعززة بالثبات على المبادئ الإسلامية، والشيم العربية الأصيلة، والتآخي بين أفراد ومكونات هذا الشعب الكريم، والعلاقة الحسنة بين القيادات والمجتمع وأفراده. وعلى العموم لا ينبغي أن نركز على اعتبار أهداف هذه الرؤية سقفا أعلى أو مقدسا لطموحاتنا في أي مجال، حيث قد نتمكن من تجاوز عديد من أهداف الرؤية لو أحسنا وسرعنا في استغلال الفرص أو عدلنا عن بعض أهدافها للوصول إلى أهداف أكثر أهمية منها.
ومما يبعث على الارتياح إبداء القائمين على الرؤية استعدادا لتقبل مناقشتها وتمحيصها ونقدها. ويتطلب التطرق لكل هدف من أهدافها كثيرا من الجهد والبحث العلمي الجاد وغير المتحيز والمعلومة الدقيقة التي تنقصنا في كثير من المجالات. وتعاني منظومة المعلومات الاقتصادية والمالية والاجتماعية لدينا كثيرا من العيوب، كالنقص الواضح في كثير منها وفي شفافيتها، والشكوك المحيطة بدقتها، والميل نحو تحيزها. ولهذا ينبغي إصلاح منظومتنا الإحصائية ومنتجاتها بسرعة قصوى لكي نتمكن من تبني الآليات والسياسات المناسبة لتحقيق أهدافنا المستقبلية بأقل التكاليف الممكنة وبأسرع وقت. كما ينبغي التأكيد على أن تحقيق أهداف الرؤية لن يكون على حساب المزايا والمنافع العامة التي يتمتع بها المواطنون في الوقت الحالي.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي