مشروعات الأسر المنتجة تحتاج إلى تنظيم
نلاحظ انتشار ما يسمى بمشروعات الأسر المنتجة، حيث تقوم الأسرة بإنتاج وتوزيع وبيع وتسويق منتجاتها بتعاون جميع أفراد الأسرة. فنرى المرأة تنتج من منزلها ما تتقن صنعه من أغذية، وحلويات، ومعجنات، وأكلات شعبية تعجز عن تقديمها مصانع الأغذية والمطاعم المحلية أو العالمية الشهيرة. ثم تقوم الأسرة بترويج ما تصنعه في وسائل التواصل الاجتماعي. وقد تبين لنا أن المستهلك السعودي والمقيم أيضا يستطيبان هذه المنتجات ويثقان بطريقة إعدادها ونظافتها ووسائل حفظها وتغليفها.
وهناك عدة طرق لتوزيع هذه المنتجات. بعض الأسر تقوم بصناعة المنتجات في المنزل ثم تتولى الأسرة بنفسها تسويق ما صنعته بطريقة بدائية للغاية عن طريق عرض جميع الأصناف على الرصيف أو أمام أحد المراكز التجارية الكبيرة أو في أي مكان مكتظ بالناس وفيه تجمع بشري. وقد تزين المرأة معروضها من السلع ببعض المواد المساعدة تشتريها من الأسواق كالزبدة والنباتات المورقة والبيض البلدي ونحوه. ورغم بساطة العملية وطريقة العرض البدائية إلا أن هناك مراعاة للنظافة والحرص على المنتجات المعروضة من التلوث فتقوم بتغطيتها بمواد شفافة يمكن رؤيتها وفي الوقت نفسه تحميها من الأتربة والحشرات.
صنف آخر يقمن بعرض منتجاتهن في مجمع خاص بهن تكون بطريقة عفوية غير مخطط لها يمثل نقطة التقاء الأسر المنتجة بالمستهلكين. ورغم عدم حصول تلك الأسر على تراخيص وعدم وجود أدوات وتقنيات حديثة للحفظ والتخزين إلا أننا لم نسمع حتى حينه عن أي حالة تلوث أو تسمم أو حتى تشكيك في الجودة. وهذا يدل على أن هذه الأسر حريصة على النظافة لأن من يقوم بصنعها ربات بيوت اعتدن إعداد المآكل والمشارب لأفراد أسرهن فعندما يقمن بصنع طعام معد للبيع فهن لا محالة يراعين الإجراءات نفسها ويتبعن الآليات نفسها.
صنف ثالث من الأسر يقومون باستئجار مكان في معرض مخصص لمنتجات الأسر المنتجة. فتعرض الأسرة منتجاتها في المعرض مع عدد آخر من المنتجات المنزلية لأسر أخرى. وهذا المعرض يعد بمنزلة موزع لمنتجات مجموعة من الأسر المنتجة وفقا لشروط متفق عليها بين الطرفين "الأسرة والموزع". ورغم نجاح الفكرة إلا أن هناك بخسا لحق الأسرة من حيث التسعير. فالمرأة تقوم بعرض منتجاتها في مكان مخصص لها قد لا يتعدى نصف متر يتم تأجيره عليها ثم عليها أن تدفع أيضا نسبة من كل صنف يباع. وهذه قسمة غير عادلة وقد يكون من الأفضل أن تقوم الأسرة ببيع منتجاتها للمعرض "بائع التجزئة" بناء على سعر التكلفة "أي تحدد تكلفتها إضافة إلى هامش ربح" ثم يقوم بائع التجزئة ببيع المنتجات بعد أن تنتقل ملكيتها إليه بما يغطي تكاليفه هو ويحقق له هامش ربح. فبائع التجزئة بالتأكيد لديه تكاليف إيجار المحل وفواتير الكهرباء والماء والترخيص والتخزين وغيرها. هذه الطريقة في رأيي تضمن لكلا الجانبين حقه وكل يحصل على إيراده وفقا لعمله ومجهوده ويبعد الجميع من الاستغلال. فهذا أفضل بكثير من أن تدفع الأسرة ثمن مساحة صغيرة لمنتجاتها في المعرض ثم تدفع نسبة عن كل صنف يباع.
والفكرة التي قامت عليها مشروعات الأسر المنتجة هي فكرة بسيطة إلا أنني أرى أنها مشروعات واعدة ولها فوائد جمة على الأفراد والدولة والمجتمع والمؤسسات والمستهلك. فهذه المشروعات ستساهم كثيرا في محاربة أهم عائق يواجه الدولة إلا وهي البطالة. البطالة التي شغلت مؤسسات الدولة رغم تشريع أنظمة وقوانين بل جهات رسمية تتولى محاربة البطالة ناهيك عن تنظيم الندوات والمؤتمرات والرسائل العلمية التي ناقشت معضلة البطالة إلا إننا لم نر أي حل يلوح في الأفق بل إن موضوع البطالة نراه يتفاقم يوما بعد يوم. ولم تتقدم مؤسساتنا المعنية في الوصول إلى حل لمشكلة بطالة الذكور حتى ظهرت لنا البطالة بين في الإناث وهنا تزيد المشكلة تعقيدا.
فمشروعات الأسر المنتجة ستسهم بشكل مباشر في خفض نسبة البطالة في كلا الجنسين عن طريق تمكين المرأة من العمل في المهنة التي تتقنها من منزلها بكامل حريتها دون حجاب ودون خلوة ودون تحرش ودون مضايقات. كما أن هذه المشروعات ستفتح باب العمل للرجال حينما يعملون كسائقين يوزعون منتجات الأسرة إلى قنوات التوزيع وكبائعي تجزئة في محال عرض المنتجات.
كما أن مشروعات الأسر المنتجة ستسهم في محاربة الفقر حينما تحصل الأسرة على إيرادات كافية فيقل على الدولة عدد المحتاجين وبذا يتم توفير مبالغ مالية من ميزانية الدولة كانت مخصصة للشؤون الاجتماعية والضمان الاجتماعي يمكن ترحيلها لبنود أخرى في الميزانية لأن بعض الأسر لم تعد محتاجة للمساعدة فقد أصبحوا مبادري أعمال. وهذا بدل مناسب للأسرة وخصوصا المرأة عندما تمارس عملها من منزلها فتؤدي وظيفتها الأساسية كزوجة وكأم وفي الوقت نفسه توفر لها مصدر دخل يغنيها عن السؤال والحاجة والفاقة.
الفائدة الثالثة من عمل المرأة في مجال الإنتاج المنزلي أنها تستغني عن الوظيفة الرسمية في الحكومية وفي القطاع الخاص وبهذا يتناقص عدد اللاتي يبحثن عن وظيفة رسمية ويبقى فقط اللواتي لا يستهويهن الإنتاج والبيع المنزلي.
ورغم كل هذه المميزات وتلك الفوائد وهذا العمل المتقن من قبل الأسر المنتجة إلا أن هذه التجارة الرابحة تحتاج إلى تنظيم أكثر. وعندما نقول تنظيم فنحن لا نعني تعقيد الإجراءات ما يؤدي إلى سد طرق العمل النبيل. عندما ننادي بتنظيم عمل مشروعات الأسر المنتجة أي تهذيبها وتسهيل انطلاقها وعدم التدخل في النواحي التشغيلية فهي تسير بمهنية عالية بل نريد تدخلا تنظيما ورقابيا من بعد تتم مراقبة أطراف قوى السوق لتحقيق توازن الأطراف المكونة لسوق منتجات الأسر.