رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


التنمية البشرية .. ومؤشرات متواضعة

قبل عقد من الزمن حملت شهادتي الجامعية متخرجا وأمضيت بضعة أشهر وأنا أتردد على مكاتب الشركات والمؤسسات بحثا عن فرصة عمل تليق بسنوات الكفاح والتعب التي أمضيتها، كنت أحمل سيرتي الذاتية وأحلام كبيرة كانت تتحطم على أرض الواقع وأنا أشاهد ذلك الكم الهائل من الشركات وهي تعتذر عن توظيفي بأعذار متعددة.
لم تكن الرواتب آنذاك تتجاوز 1500 ريال لأي خريج جامعي وهناك من قبل بأقل من ذلك، كانت الفوضى تعم سوق العمل من كل جوانبه فلا توطين ولا تدريب ولا نظام يحمي أحدا ولا رقابة.
كان الإخوة الوافدون هم من يسيطر على كل شيء ويسعون لتطفيش أي موظف جديد بكثير من الحيل والأساليب التي لا تخطر على بال، وهذا أمر طبيعي في بيئة تفتقد النظام فلا أحد سيتنازل عن رزقه ومصدر دخله إلى شخص آخر بكل سهولة.
كانت تجربة مرة رغم قصرها كشفت لي عمق الخلل في منهجية التنمية البشرية.
عانى زملائي مثلما عانيت وبقي الكثير منهم تحت رحمة المديرين الوافدين وتحملوا الكثير من الظلم في سبيل الحفاظ على ومكابدة الظروف المعيشية.
أستعرض هذا التجربة وأنا أرى اليوم جملة جيدة من الإصلاحات تحققت لكنها ما زالت بطيئة ولم تصل للعمق الذي نريد.
فقد تحسنت نسب التوطين، وتم تطوير نظام العمل وتفعيل الرقابة الميدانية والتقنية، وتطورت برامج التدريب بقيادة صندوق الموارد البشرية، وطبق نظام حماية الأجور وغيرها من الإجراءات التحسينية.
لكن لا يزال مفهوم التوطين عبئا على أصحاب الأعمال ولا تزال النظرة إلى الموظف السعودي باعتباره رقما في برنامج نطاقات لجلب مزيد من التأشيرات وحتى لا تتوقف الخدمات وتحال المنشأة إلى اللون الأحمر.
هناك مؤسسات لا تعرف من السعودة سوى توظيف حراس الأمن بالحد الأدنى من الرواتب لتغطية النسبة المطلوبة من السعوديين في مجموع التوطين العام.
ماذا يفعل 19 حارس أمن سعودي لمؤسسة لا تحتاج سوى إلى ثلاثة أو أربعة حراس، وفي قطاع المقاولات مثلا هناك 120 ألف موظف مصنفة أرقامهم تحت بند التوظيف الوهمي وغيرها الكثير من الأرقام التي كشفت عن التوطين الوهمي والتعامل مع الأمر بمنهجية لا مسؤولة.
إحصائيات التأمينات الاجتماعية تؤكد أن 55 في المائة من السعوديين على رأس العمل والمسجلين في التأمينات تقل رواتبهم عن 3500 ريال، يتركز أغلبهم في فئة الأجر بين ثلاثة آلاف إلى 3499 ريالا، وبلغ عددهم 845 ألف مشترك ما يعادل 50 في المائة من إجمالي المشتركين السعوديين على رأس العمل.
فيما بلغ عدد السعوديين الذين يحصلون على رواتب بين خمسة آلاف ريال شهريا وأقل من عشرة آلاف نحو 310 آلاف موظف، أما الموظفون الذين يتجاوز راتبهم عشرة آلاف ريال شهريا 222 ألف موظف.
هذه الأرقام تؤكد أن مؤشرات التنمية البشرية الحالية تحتاج إلى مزيد من الحلول التي تجعل من هذه الثروة قوة عمل وإنتاج وتنافس وليس مجرد أرقام في خانات التوطين.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي