تحديات أمن الخليج العربي
تجري حاليا في شمال الخليج أكبر مناورات بحرية في العالم في الشرق الأوسط، التي بدأت في الرابع من نيسان (أبريل) حتى 26 نيسان (أبريل) الجاري، بمشاركة أكثر من 30 دولة من ست قارات، وتمتد ما بين قناة السويس مرورا بالخليج العربي نحو باب المندب، تعد المناورات الأكبر عالميا بقيادة الولايات المتحدة، التي تأتي لحماية الإبحار وضمان التدفق التجاري، واختبار الجاهزية للتعامل مع التهديدات المختلفة أهمها الإرهاب والقرصنة والألغام، دون أن تكون موجهة إلى دولة محددة، كما تسمح للدول المشاركة بالعمل بين بعضها، على أساس الشراكة لتعزيز الالتزام بالقواعد الدولية والمعايير السلوكية للبحارة. اللافت والخطير أن أكثر الأنشطة المحظورة التي يتم ضبطها قريبا من سواحل الخليج، هي تجارة المخدرات، وعلى رأسها تهريب الهيروين ومادة الحشيش القادمة من أفغانستان.
أمن الخليج من شماله حتى جنوبه مسألة حيوية جدا، يعزز المسألة الأمنية ولثلاثة عقود وجود حاملات الطائرات الأمريكية في المنطقة، وكانت مغادرة حاملة الطائرات روزفلت نهاية العام الماضي مسألة قلق من إمكانية تغير في استراتيجية الولايات المتحدة تجاه المنطقة، ولا سيما حدوث ذلك في وقت حرج من تحديات أمنية للمملكة ودول الخليج في حرب اليمن والاتفاق النووي الإيراني، إلا أن وصول حاملة الطائرات هاري ترومان إلى مياه الخليج مطلع العام الجاري أعاد التأكيد على التزام الولايات المتحدة بأنها باقية ولم تغير استراتيجيتها لضمان أمن المنطقة واستقرارها، وتأمين حركة الملاحة التجارية، أو حتى ضرب "داعش" جويا ومهمات مراقبة واستطلاع يومية في العراق وسورية. وفق الأسطول الخامس الأمريكي، فإن الاتفاق النووي الإيراني لم يغير أولويات واشنطن في المنطقة، ولم يجعلها صديقا ولا حليفا لطهران.
السيطرة على أمن الخليج كانت على مدى ثلاثة عقود مسألة محسومة، إلا أن تحديات المسألة الأمنية حاليا مسألة تحد، تحمل مزيدا من التعقيد، إذ تسعى إيران إلى رحيل القوات الأمريكية، كي يصبح المكان شاغرا لممارسة ما تعتبره سلطتها وهيمنتها على المنطقة، في حين ترغب دول الخليج في الوجود الأمريكي لحماية المنطقة من العبث الإيراني، ولموازنة القوة الإيرانية وحماية الممر المائي الحيوي، الذي يعبر من خلاله نحو 30 في المائة من النفط المنقول بحرا. وقد أعلنت أخيرا قوات البحرية الأمريكية أنها قد تمكنت من ضبط شحنة أسلحة على سفينة بحرية تابعة لإيران، أغلب الظن أنها متجهة إلى اليمن لدعم الحوثيين، وكانت هناك محاولات سابقة شبيهة، حين رصدت حاملة الطائرات روزفلت والبارجة القاذفة للصواريخ نورماندي في السواحل اليمنية العام الماضي، قافلة من تسع سفن إيرانية، بينها بارجتان حربيتان، في طريقها إلى اليمن. ستكون هذه نقطة نقاش مهمة، أشار إليها باراك أوباما أخيرا، في القمة المقبلة بين أمريكا ودول الخليج العربي، التي من المقرر انعقادها الشهر الحالي في الرياض.
التغيرات التي حدثت أخيرا تتطلب القيام بخطوات جادة نحو إنشاء نظام أمني جديد، يتماهى والمستجدات لتوفير أمن أكثر استقرارا في الخليج. وقد جرت أخيرا محادثات بشأن إقامة درع دفاعية صاروخية، وإيجاد مسار استراتيجي خليجي لتحقيق الحماية الذاتية، وعن تطوير مرتقب في منظومة قوات درع الجزيرة بإنشاء مجموعة أمن بحري. لكن هل يمكن أن يغطي ذلك تعاونا مشتركا يمكن أن يضاهي الوجود الأمريكي المستمر في المنطقة، أم يشكل تعاونا مشتركا متعادل القوى بين الخليج وأمريكا؟ أسئلة حيوية مع تحديات أمن الخليج في شماله وجنوبه، تطرحها تحديات المرحلة.