متى يصبح التعليم المالي جزءا من المنهج الدراسي؟
تطرقت في مقال الأسبوع الماضي إلى موضوع تعليم الأجيال إدارة الأموال والدور غير العادل الذي تقوم به مؤسسات التعليم حول العالم في هذا الجانب. البعض يطالب أولياء الأمور بتعليم أبنائهم وبناتهم مفاهيم التمويل الشخصي من ادخار واستثمار وتنمية رأس المال في الوقت الذي يحتاج فيه الآباء والأمهات إلى معرفة هذه المفاهيم والتدريب عليها فكيف نطلب منهم تدريب أبنائهم على مفاهيم هم يجهلونها؟ إن مهمة تعليم الأجيال إدارة الأموال تقع على عاتق مؤسسات التعليم بالدرجة الأولى التي يجب عليها إعداد الأجيال للحياة الواقعية. فجميع المناهج بلا استثناء في غالبية دول العالم المتقدم والنامي والأقل نموا مبتعدة كليا عن تعليم الناس الطرق الأساسية للحياة الواقعية.
فنرى الكم الهائل من العلوم والمعارف التي يحشون بها عقول الأبناء والبنات لا صلة لها بواقعهم بدءا من الأساليب الإحصائية والمعادلات الرياضية المعقدة إلى الخلية والذرة مرورا بالعلوم الاجتماعية بما تحويه من أسماء المواقع والمعارك والقادة ثم التضاريس والحدود، فالمناخ لدول المشرق والمغرب من اليابان مرورا بالصين فالمالديف ثم المنطقة العربية فالقارة الأوروبية ثم النزول جنوبا إلى دول إفريقيا حتى ينتهي بالطالب المطاف بدراسة سهول وجبال وعواصم دول الأمريكتين.
نحن لا نقول إن هذه العلوم وتلك المعارف غير مهمة. أبدا هذا غير صحيح يجب على الدارس معرفة بعض الشيء عن كل شيء ولكن ليس بهذا القدر الهائل وليس بهذه الكمية الضخمة على حساب مهارات ومعارف وعلوم أخرى أحق بالدراسة والاطلاع تمس حياة الفرد في حاضره ومستقبله. كل ما يحصل عليه الطلاب في جميع مراحل التعليم يحتاجون منه فقط إلى 10 في المائة من الموضوعات التي يتلقونها في المدارس والبقية غير مفيدة لهم في حاضرهم ولا في مستقبلهم. وعمل كهذا يُعد هدرا للأموال وتبديدا للأوقات وضياعا للأعمار واستنفادا للطاقات الواعدة.
السؤال الذي لم نجد له إجابة حتى يومنا هذا هو: لماذا لا يتم إعداد الأجيال للحياة الحقيقية فيتم تعليمهم ما ينفعهم في حياتهم وما يعينهم في واقعهم وفي مقدمة ذلك كيفية التعامل مع المال؟ وكيفية الادخار ثم الاستثمار؟ وكيف يفرقون بين الأصول والخصوم من وجهة نظر الأفراد وليس من وجهة نظر الشركات؟ وما الفرق بين التدفق النقدي وربح رأس المال؟ وما الفرق بين الموظفين، وبين مبادري الأعمال، وبين المستثمرين؟
الوضع لا يمكن اختزاله في نصائح وتوصيات لكيفية إدارة الأموال الشخصية تقدم من قبل جهات تطوعية لأب يفتقد أبجديات إدارة الأموال أو إلى أم لا تعرف عن المال إلا الإنفاق، فالأمر يحتاج إلى تعليم وتدريب وقبل هذا قناعات بأهمية المال. كما أن هذه ليست مهمة الأب أو الأم فهما مخرجات للتربية العقيمة والتعليم الخاوي والموروث الثقافي الهزيل الذي تربوا عليه. نريد مواد أساسية وجوهرية مجدولة في مناهج التربية والتعليم والجامعات تعلم الفتية الصغار والشبيبة كيف يديرون أموالهم يشرف عليها متخصصون أكفاء. وإذا كان جدول الطالب لا يتسع لكل هذا فما الذي يمنع من إعادة هيكلة المناهج التعليمية بحذف مواد وموضوعات لا تنفع ولا تضر وهي كثيرة وإحلالاها بمواد مالية ومحاسبية.
قسم روبرت كيوساكي التعليم الفعلي الذي يحتاج إليه الإنسان في هذا العصر إلى ثلاثة أنواع. النوع الأول أطلق عليه التعليم الأكاديمي وهو التعليم الأساسي الذي يهتم بتطوير المهارات العامة من القراءة والكتابة وحل المسائل الرياضية. ورغم أن هذا النوع يقدم في جميع المناهج التعليمية إلا أنه يقدم بطريقة مبالغ فيها فالمهمة هنا تتمثل في تعليم الطالب أساسيات القراءة والكتابة والحساب حتى يكون قادرا على الاتصال والتواصل بالمعارف ومن أراد المزيد فهذه مهمة المتعلم نفسه لأن مهمة مؤسسات التعليم تنحصر هنا في منح الطالب الأدوات الأساسية للتعلم.
التعليم الثاني يطلق عليه التعليم المهني وهو الذي يقدم مهارات متخصصة في حقل من الحقول من أجل إعداد الأفراد للحصول على عمل ووظيفة وهذا مقسم إلى قسمين. القسم الأول ذلك النوع من التعليم الذي يهتم بالمهن العالية كإعداد الأطباء والمهندسين والمحامين والمديرين في الشركات. والقسم الثاني هو التعليم لإعداد متخصصين للمهن التنفيذية للذين يريدون أن يصبحوا ميكانيكيين، أو طهاة، أو ممرضين، أو مبرمجي حاسوب وغيرهم.
ولكن مسيرة التنمية وبرامج وأهداف الدولة والشعوب والأفراد لا يمكن أن تتحقق وتنجز على أعتاق هذين النوعين من التعليم، فالحياة تتطلب تعليما آخر مختلفا ولكنه مكمل لهذين النوعين من التعليم ألا وهو التعليم المالي. التعليم المالي غير موجود في مناهج التعليم في غالبية الدول ونتيجة لهذا الخلل في تقديم هذا النوع من التعليم نجد الضحايا من المفلسين والمعسرين والمدينين تعج بهم المجتمعات وما يتبع ذلك من أمراض عضوية ونفسية ورغبة في الانتحار بسبب الضغوط المالية التي تواجه الأفراد نتيجة عدم معرفتهم بطريقة التحكم في المال. يبدأ الطفل مراحل تعليمه الابتدائية ثم المتوسطة فالثانوية ثم يتخرج في الجامعة وقد يحصل على وظيفة بدخل جيد إلا أنه بعد حين من الوقت يصبح مفلسا أو مدينا أو ضحية للمصارف والمؤسسات المالية ويدخل نفسه في شقاء ويظل يعمل ويكدح من أجل تسديد ديونه فقط. كل هذا سببه النقص في التعليم المالي وكيفية إدارة الموارد التي يحصل عليها العاملون والموظفون في القطاعات المختلفة سواء أكانت قليلة أم كثيرة.
إنني أقترح على تعليمنا أن يُدخل التعليم المالي في المدارس والجامعات بتدرج فلن يبقى العالم يعيش هذه الفوضى وستبدأ الدول في تعليم شعوبها كيفية إدارة الأموال الشخصية. يقول كيوسكي "سيصبح التعليم المالي جزءا من المنهج الدراسي في جميع المدارس ولكن ليس في المستقبل القريب" وأمنيتي أن تأخذ مؤسساتنا التعليمية السبق في هذا وألا نبقى فقط تابعين ومقلدين.