القرار الصحيح .. إنشاء صندوق استثماري عملاق
قصة "أرامكو" قصة نجاح أمة وتجربة ثرية من كل نواحيها، فهي التي استكشفت وتخندقت وبحثت وحفرت واستخرجت الثروة، ثروة هائلة نقلت السعودية على وجه الخصوص والدنيا بأسرها من عالم إلى عالم آخر تماما. فـ "أرامكو" ليست مجرد شركة نفط عملاقة، بل تاريخ أمة ومعركة سيادة، وهي بهذا الإرث الهائل جدا فإن فكرة بيع جزء من أسهمها لأجل إنشاء صندوق استثماري عملاق جداً، هي القرار الصحيح في الوقت الصحيح. فالعملاق النفطي يحتاج إلى أن يتحول إلى عمالقة عدة، والثروة التي في باطن الأرض يجب أن تخرج كثروة أيضا لكن إلى ظاهرها، تلك هي المعادلة التي نحتاج إلى حلها. فالثروة المخزونة في الأرض ستبقى ثروة وستبقى مخزونة وستبقى للأجيال، لكن كيف يمكننا أن نستفيد منها الآن وهي في باطن الأرض. من جانب آخر فإن العملاق النفطي "أرمكو" بلغ حدا لم يعد يسعه المكان الذي وُلد فيه، وها هو العملاق ينشئ المدن الصناعية اليوم والملاعب الرياضية العملاقة، وكأنه يقول لنا إن في استطاعتي أكثر من مجرد حفر بئر نفطية.
ما مشكلتنا الاقتصادية؟ ببساطة هي النفط، العالم لا يعرف عن اقتصادنا شيئا سوى النفط، العالم مستعد أن يدفع مقابل النفط فقط – إذا استثنينا جزئيا زيارة المسلمين للحج والعمرة. ونحن منذ عقود متطاولة نشترى كل شيء تقريبا، حتى ما ندعيه صناعية سعودية إنما هو مرتبط بمشتريات خارجية ضخمة، سواء في المواد الخام أو في المصانع وقطع الغيار. إذا فنحن بحاجة دائمة إلى استبدال الريال بعملة أجنبية، وليس أمامنا مصدر للحصول على العملات الأجنبية (لشراء منتجات العالم) إلا إذا بعنا النفط فقط، والمشكلة أن النفط لم يعد قادرا على أن يمدنا بكل العملات التي نحتاج إليها. لدينا احتياطيات نقدية ضخمة لكن المحافظة على النمو تقتضي منا قبول التوسع في الإنفاق وهذا معناه العجز الدائم وتآكل الاحتياطي، إلا إذا استطعنا أن نجد مصدرا جديدا وهائلا للنقد الأجنبي، وغير تقليدي وغير تنافسي، لذا جاءت فكرة الصندوق السيادي الضخم ليحل جزءا من المشكلة القادمة.
الفكرة رائعة بكل المقاييس، ولا يمكن لأحد أن ينكر ذلك، لكن بقيت أمامنا مسألة توفير السيولة لهذا الصندوق الضخم الجديد، الذي يطلب تريليونات من الدولارات، وكل ما هو متوفر لنا هو مليارات فقط، لهذا تأتي فكرة نقل الثروة التي في باطن الأرض إلى خارجها وقد يكون ذلك جزءا من الحل، والنقل هذا ليس حقيقيا بمعنى استخراجها وبيعها، فالوقت لا يكفي لكل هذا، بل هو نقل ملكية هذه الثروة إلى الصندوق السيادي الضخم. هذا ما يمكن فعله تماما، الدولة هي التي تملك الثروة في باطن الأرض، ولكن استخراج هذه الثروة وبيعها يحتاج إلى وقت الحكومة بحاجة إليه، القطاع الخاص لديه ثروة نقدية يريد استثمارها في عوائد ثابتة ومضمونة ومستدامة، الثروة التي في باطن الأرض هي بيد العملاق "أرامكو" الآن بحكم الامتياز، و"أرامكو" حكومية بالكامل، إذا الحل هو نقل ملكية "أرامكو" الحكومية بامتيازاتها إلى الصندوق السيادي (الحكومي) الضخم، ومن ثم بدء خطة التنويع الاستراتيجية وجعل 50 في المائة من ممتلكاته في استثمارات خارجية بحلول عام 2020. كما أكدت الدراسات أن هذا الصندوق المقترح، مقارنة بأكثر من 41 ألفاً من صناديق الاستثمار عبر العالم ذات الأصول الإيجابية التي تتحكم بنحو 27 تريليون دولار من الأصول، فإن الصندوق الجديد سيملك وحده القوة الشرائية لنحو 10 في المائة من إجمالي سوق صناديق الاستثمار العالمية الحالية.
الطريق واضح ومرسوم بدقة والمسألة تبدو بسيطة لولا بعض التعقيدات الإجرائية، فنمو الصندوق الضخم ليس بالضرورة أن يأتي دفعة واحدة ومن جانب واحد، بل سيأتي بشكل تدريجي مع ما يحققه من نجاحات، لذا فإن السؤال الصحيح والأهم هو كم حجم النقد الذي يحتاج إليه الصندوق الآن لكي يبدأ؟ وهل سيستطيع القطاع الخاص توفيره فعلا مهما عرضنا من قطاعات "أرامكو" وامتيازاتها؟ نحتاج إلى خطة واضحة دقيقة المراحل، متى نبدأ وبكم نبدأ ومن سيدفع؟