تفاوت الدخول .. كيف يصبح الأغنياء أغنى؟

تفاوت الدخول .. كيف يصبح الأغنياء أغنى؟

لقد درج التفاوت بين الأغنياء والفقراء، على أن يكون من سمات بلدان العالم الثالث. ولكن لماذا أصبح هذا الموضوع قضية مهمة في البلدان المتقدمة هذه الأيام؟
لقد كان توسيع الفجوة بين الأغنياء والفقراء، سمة مميزة للعالم الثالث أو البلدان النامية ـــ الدول التي لا يوجد فيها "الطبقة الوسطى" أو قانون الضرائب العادل والمستدام، أو هيئات قائمة للدعم الاجتماعي والتعليمي. ولكن، في يومنا هذا، أصبح التفاوت في الدخل قضية مهمة في الدول المتقدمة.. وهناك بيانات حقيقية لدعم ادعاءات التفاوت.
"في الفترة الواقعة بين الأربعينيات وحتى الثمانينيات من القرن العشرين، ظلت الفجوة في الدخل في الولايات المتحدة متناسبة إلى حد ما، "حسبما أشار إليه بوشان دوت، وهو أستاذ مشارك في الاقتصاد لدى "إنسياد"، استنادا إلى إحصاءات حكومة الولايات المتحدة". "أما في التسعينيات من القرن نفسه، فقد شهد أولئك الذين ينتمون إلى شريحة الـ 90 في المائة الأدنى ركودا في مستويات دخلهم، بينما تضاعفت دخول هؤلاء المنتمين إلى نسبة 10 في المائة الأعلى". وتحدث دوت لبرنامج إنسياد للمعرفة على هامش حوار الطلبة حول العدالة في الدخول التي عقدت أخيرا في الحرم الجامعي الآسيوي لـ "إنسياد" في سنغافورة.

هل هي مشكلة أنجلوسكسونية؟
يقول دوت "إن زيادة التفاوت في الدخول التي نجدها أيضا في كندا والمملكة المتحدة، هي أساسا ظاهرة أنجلوسكسونية"، مشيرا إلى أن الدول المتقدمة الأخرى مثل فرنسا واليابان والسويد استطاعت حتى الآن تجنب اتساع الفجوة في الدخول.

مهزلة قانون الضرائب
كيف يمكن للدول الأخرى تفادي التفاوت، في حين إن الولايات المتحدة/ الأنجلو سكسونيين قد فشلت في القيام بذلك؟ يشير دوت إلى النظام الضريبي: "لقد تم تقليل التفاوت في الدخول قبل خصم الضرائب في فرنسا إلى حد كبير عبر النظام الضريبي. وإذا كنت لا ترغب في زيادة التفاوت في الدخول في بلدك، فما عليك إلا دعم بعض الناس من ذوي الدخول المتدنية، بحيث ترتفع إلى مستوى الحد الأدنى للأجور. ويضيف دوت "إن قانون الضرائب في فرنسا والسويد أكثر تقدما مما هو عليه في الولايات المتحدة من بين دول منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، وبصرف النظر عن تركيا والمكسيك وتشيلي، يتم إدراج قانون الضرائب في الولايات المتحدة، باعتباره واحدا من القوانين الأقل تقدمية".
وتختلف القوانين الضريبية في جميع أنحاء العالم. "فلدى سنغافورة، على سبيل المثال، اثنان أو ثلاث من الشرائح الضريبية ذات خصومات قليلة جدا". و يقول دوت "إن هذا يبسط الهيكل الضريبي بشكل كبير، بحيث تسهل إدارته، فلا تصل إلى هذه المشكلة كما هو الحال في الولايات المتحدة، حيث إن وجود عدد لا يحصى من الخصومات والإعفاءات، قد يجعل معدل الضريبة الرسمي عديم الجدوى".

التكنولوجيا مقابل التعليم
ثمة أيضا جدل واسع حول مدى تأثير التكنولوجيا في ازدياد نسبة التفاوت ـــ ربما تصل إلى 40 في المائة، بحسب أمين أوزاد، أستاذ مساعد في العلوم الاقتصادية والسياسية. "فالتكنولوجيا، على سبيل المثال، قد جعلت عديدا من المهن متوسطة المستوى، زائدة عن الحاجة. ومنذ ظهور أجهزة الكمبيوتر الشخصية، حلت الآلات محل عديد من أنواع العمل الذي يقوم به الناس، مثل السكرتارية".
ومع ذلك، فإن المشكلة تكمن في أن المجتمع لم يتجاوب مع الثورة التكنولوجية برفع مستوى التعليم لديه. وفي الواقع، يشير أوزاد إلى أن الطلب على المهارات قد فاق العرض بكثير، وهذا يعني أن التفاوت في الدخل سيكون موجودا، طالما أن الفجوة في المهارات لا تزال قائمة.
إن ذوي التعليم متدني المستوى هم الأكثر عرضة للتضرر من الاضطرابات والتغيرات في الاقتصاد، التي قد تنجم عن التجارة الدولية أو التغييرات التكنولوجية. ويقول اوزاد "عندما تكون حاصلا على شهادة تعليمية، فمن المحتمل جدا أن تكون محصنا ضد تقلبات دورة الأعمال التجارية"، مشيرا إلى أنه في الولايات المتحدة، قد تلعب الهجرة، وتدني عدد النقابات، وانخفاض الحد الأدنى للأجور بالمعنى الحقيقي ــــ وهي ظروف تؤثر إلى حد كبير في ذوي التعليم متدني المستوى ــــ دورا في ازدياد حجم التفاوت.

السياسيون ينتقدون
في حين يعد التعليم أداة مهمة لتضييق الفجوة في الدخول، إلا أنه يمكن أن يستغرق 20 عاما لحصد النتائج. ويطالب السكان بالاستجابة حالا للتفاوت في الدخول، وهذا ما يفعله السياسيون. وقد ركز الرئيس الأمريكي باراك أوباما في خطاب الاتحاد بشكل كبير على مقترحاته لعدالة اقتصادية أكبر في أمريكا؛ منتقدا التخفيضات الضريبية التي سنها سلفه جورج بوش على الأغنياء ــــ ومطلقا استراتيجية إعادة انتخابه في انتخابات تشرين الثاني (نوفمبر). وحتى السياسيون في الدول المثقلة بالديون كاليونان، وإسبانيا، والبرتغال، والمملكة المتحدة، قد جعلوا من تفاوت الدخول محورا رئيسا للحديث.
ولكن، هل سيأتي كل هذا الكلام بخطة مستدامة لتحقيق الاستقرار المالي؟ يجيب دوت بالنفي، مشيرا إلى أنه "لا يوجد في أي بلد في العالم سياسي يتجاوز أفقه 20 عاما. أفضل ما يمكن لك أن تأمله هو خمس سنوات. إنهم يبحثون عن الحلول السريعة، التي من شأنها أن تؤثر في الأمور بشكل فوري، لكن الحلول الفعالة تتطلب مزيدا من الحكمة والصبر".

تفاوت الدخول والاقتصادات الناشئة
في حين تشهد كل من الصين والهند مستويات متزايدة من تفاوت الدخول، إلا أنهما لم تعانيا كثيرا من الاضطرابات الاجتماعية. وأخبر دوت مجلة إنسياد للمعارف أنه كان من المتوقع ازدياد الفجوة في الدخل خلال فترات النمو في الاقتصادات الناشئة. وقال "عندما تتطور الدول، ينتقل الناس من القطاع الزراعي إلى القطاع الصناعي، كما هي الحال في الصين، وإلى قطاع الخدمات، كما هي الحال في الهند. وهذا يعمل على رفع مرتباتهم وأجورهم بالنسبة إلى أولئك العاملين في مجال الزراعة. وهذا يعد جزءا من عملية النمو. أما إذا ترك الأمر دون ضوابط، فيمكن أن يؤدي إلى عدم الاستقرار السياسي، الذي قد يعوق النمو على المدى الطويل".

وماذا بعد؟
لقد تم أخيرا تأطير قضية التفاوت الاقتصادي بشكل واضح جدا، عبر مظاهرات في جميع أنحاء العالم: الثورات العربية في ميدان التحرير، وشوارع موسكو، وحركة "احتل" في الولايات المتحدة، التي وجدت لها مؤيدين في المؤسسات التعليمية، مثل جامعة هارفارد، حيث خيم الطلبة في الحرم الجامعي. واستجابت إدارة جامعة هارفارد لمحتجي حركة "احتل" بإغلاق البوابات أمام أي شخص لا يحمل الهوية الجامعية، ما جعل الاحتجاج "حصريا" ومعزولا. وفي تلك الأثناء، خيم آخرون في الشارع خارج البوابات في ساحة هارفارد، وهم الذين لا مأوى لهم، وذلك بدافع الضرورة وليس الأيديولوجية.

الأكثر قراءة