"زعرنة" دواعش لبنان
لا يمكن المرور أمام الاعتداء على مكاتب صحيفة “الشرق الأوسط” في بيروت بشكل عابر. الاعتداء يأتي متمما لسلسلة من الأعمال الهمجية.
ولكن من الواضح أن الانضباط الشديد، الذي تتحدث عنه أدبيات حزب الله، يأتي ليؤسس حالة الخروج نفسها على النص الذي واكب الاعتداء على السفارة والقنصلية السعودية في إيران. الانضباط حتى في اختيار الهدف.
هذا الإرهاب و”الزعرنة” التي يمارسها الحزب وأعوانه في لبنان انعكاس للفعل نفسه الذي تم تنفيذه في إيران. وقبل ذلك كان هناك تهديدات مبطنة وظهور علني في بيروت ضد قناة العربية وmbc. وهناك قنوات فضائية وصحف لبنانية شهدت ضغوطا وتهديدات.
في الصورة الذهنية، تبدو لبنان واحة عربية للرأي والرأي الآخر، لكن هذه الصورة التي تم العمل على تكريسها والإلحاح عليها، لم تكن في يوم من الأيام ذات قيمة، في ظل استمرار عمليات البلطجة والاغتيالات المتواصلة على مدار عقود، وقد طالت هذه الاغتيالات رموزا إعلامية وسياسية وثقافية ذنبها الوحيد أن طروحاتها لم تأت متسقة مع هوى الحزب الذي كان يستمد مشروعيته من مقاومة جعلت لبنان ساحة حرب تقوض منجزات هذا البلد وتسهم في إضعافه من خلال المغامرات التي أفضت إلى تحوله إلى بلد طارد للخبرات والكفاءات. وأصبحت الهجرة هو الطموح الذي يسعى له شباب هذا البلد، بسبب تحوله إلى منطقة غير آمنة نتيجة حالة الاستقطاب المستمر بين هذا الطيف أو ذاك.
الحالة اللبنانية، و”الدعشنة” المضادة التي تشهدها، جعلت الحزب يقفز فوق الدولة ويخوض حروبا في الجنوب وحروبا ضد السوريين واليمنيين، غير عابئ بكيان الدولة ولا بالحفاظ على تماسك الحكومات التي عانت الضعف، حتى أصبح وزير الخارجية فيها يخرج عن السياق الحكومي ويتبنى خطابا يتخطى الموقف الرسمي مجاملة للحزب الحليف لتياره. كانت السعودية ودول الخليج محقة في موقفها من بلد لا يستطيع انتخاب رئيس له، لأن الإرادة مربوطة بأناس يعتبرون أن الطوفان هو البديل إن لم يتم التجاوب مع خياراتهم. أصوات اللبنانيين في الداخل والخارج بدأت تضج، إذ أصبحت مصالح الجميع على المحك. ومع ذلك تستمر “الزعرنة” وتضيع الأصوات التي تحذر من استمرار هذه الفوضى هناك. استهداف صحيفة “الشرق الأوسط”، عزز الحقيقة التي يعرفها الجميع: اختطاف لبنان من قبل إيران وأعوانها مستمر، ويبدو أن القادم أسوأ.