لماذا ننتظر الندم في أواخر أيام الحياة؟
لا ينتهي الإبداع أبدا. فالمقولة المعروفة "لم يترك الأولون للآخرين شيئا"، مقولة فيها نظر، فليس هناك حدود للإبداع فمن الكتب التي تعكس الإبداع في اقتناص الموضوعات المهمة، كتاب للممرضة الأسترالية بروني وير (Bronnie Ware) بعنوان: (أكثر خمسة أشياء تندم عليها عند موتك) "The Top Five Regrets of the Dying" الذي ترجم إلى نحو 30 لغة. وقد حظي باهتمام بالغ من قبل الكتاب، وهو يستحق القراءة والتأمل. وعلى أي حال، فقد اعتمدت "بروني وير" في تأليفه على سؤالها المرضى في أواخر أيامهم، أي الذين لم يبق في حياتهم سوى أيام معدودة وفق تقارير الأطباء، والأعمار بيد الله سبحانه وتعالى. وقد وجهت إليهم سؤالا هو: ما الأشياء التي ندموا أنهم لم يعملوها في حياتهم أو أنهم يتمنون لو أنهم عملوها خلال حياتهم؟ ولخصت أشهر إجاباتهم في الأمور التالية (بتصرف):
أولا: أتمنى لو كانت لدى الشجاعة لأعيش حياتي لنفسي، وليس كما يريدها الآخرون، بعبارة أخرى الندم على العيش كما يريد الآخرون من حوله (أو حولها) لا كما يريد المرء نفسه. وبناء عليه، فإياك أن تجعل الآخرين عائقا في طريق تحقيق أحلامك التي تريدها أنت، واعمل على تحقيقها قبل أن يفوت قطار الأماني.
ثانيا: أتمنى لو أنني خصصت وقتا أطول لعائلتي وأصدقائي، بدلا من تخصيص معظم الوقت للعمل. فإذا لم يكن هناك موازنة بين الوقت المخصص للعمل والوقت المخصص للأسرة والأصدقاء، فإن الإنسان سيحرم نفسه من متعة مراقبة أبنائه وهم يكبرون وسيحرم من التمتع مع الوالدين والبر بهما.
ثالثا: أتمنى لو كنت أكثر شجاعة للتعبير عن مشاعري ووجهات نظري بصراحة ووضوح، بدلا من الكتمان من أجل أناس لا يستحقون التضحية أو لتجنب المصادمة مع الآخرين، ذلك نتيجة المبالغة في مراعاة الآخرين أو العادات والتقاليد الاجتماعية المكبلة للانطلاق في تحقيق الأحلام والمواهب والقدرات.
رابعا: أتمنى لو حافظت على صداقاتي القديمة، لأن الأصدقاء القدامى لهم خصوصية فمعهم نسترجع الذكريات الجميلة، خاصة أنها صداقات بُنيت على الود والمحبة والارتياح وليس بسبب مصالح شخصية تتعلق بالعمل أو نحوه، ولكن كثيرين يبتعدون عن أصدقائهم القدامى بسبب العمل وتكوين الأسرة حتى يفتقدوهم كليا أو يسمعوا عن خبر وفاتهم.
خامسا: أتمنى لو أنني استطعت أن أكون أكثر سعادة، فلو أنني أدركت المعنى الحقيقي السعادة في وقت مبكر، وأنها اختيار لا يرتبط بالمال أو الشهرة أو المنصب، بل يمكن نيل السعادة بجهد قليل وبسيط دون الخشية من الخروج على المألوف، فالأوقات السعيدة لا تتكرر.
عندما يصل الإنسان إلى فراش الموت، فإن الرغبات ليست صعبة المنال فقط، بل تصبح في عداد المستحيل، لذلك ينبغي أخذ العبرة وتعلم الدروس من تجارب الآخرين، والاستفادة منها في بناء حياة خالية من الندم، قبل أن يصل الإنسان إلى مرحلة متأخرة لا ينفع معها الندم، فالأمور التي أشارت إليها "بروني وير" ليست صعبة المنال إذا أدرك الإنسان أهميتها في الوقت المناسب، واستوعبها جيدا، ولكن معظم الناس يؤجل أوقات السعادة التي لا تتكرر في الغالب ظنا منهم أن الأيام ستمهلهم للاستمتاع بمثلها، ولكن هذا اعتقاد غير صحيح، لأن الأبناء يكبرون والآباء يشيخون ويعجزون عن المرافقة والاستمتاع بالحواس، كما أن الأصدقاء القدامى يبتعدون ولا يمهلهم الأجل المحتوم لقضاء وقت سعيد؛ لذا فلتكن أمانينا مقدمة لا مؤجلة. وبما أن الحياة اختيار (Choice)، والحياة حياتك، ولا تخص الآخرين، فكن حكيما واختر السعادة (Happiness).