بناء النفايات
الخسائر أكبر من أن تحصى في تحويل النفايات إلى مبان سكنية يشتريها الناس بكل مدخراتهم وما جمعته أيديهم .. كما في كل مرة، وفي كل مكان العملة المزيفة تطرد العملة الصحيحة من السوق، أصبح الناس وقد تفرد بهم السيئ والأقل سوءا غالبا، وجرى التنفيذ بالنفايات الخرسانية التي تسمى مجازا (منازل) و(شقق تمليك). لا أحد يشعر من جهات الاختصاص أنه مسؤول مسؤولية مباشرة عن جريمة نهب الناس أموالهم مقابل مبان تخالف أبسط قواعد السلامة الإنشائية، ولا يتوافر فيها الحد الأدنى من المواصفات، ويتم بيعها بأعلى قيمة مترية في العالم، أو تباع بسعر أعلى المواصفات العالمية.
لا توجد خيارات متاحة للمشتري، غير هذا المرذول من المباني، المرتفع في القيمة، العمالة السائبة أخرجت المقاولين السعوديين بسياسة تكسير العظام في الأسعار من مرحلة مبكرة جدا، وسقوط تكاليف التشغيل التي يتحملها صغار المقاولين، ولا تتحملها العمالة السائبة التي غالبا تعمل على شكل مجموعات بسجل واحد، لكفيل واحد في مكان قصي وبعيد، وبأجرة زهيدة جدا في الإيجار، مع سقوط تكاليف التشغيل الأخرى كافة.
جرى بتدبير معتاد خروج الصغار من المقاولين بحماسة معتادة، لا تختلف عن حماسة البعض الآن بإخراج صغار تجار التجزئة لتكون السوق كلها وجبة طعام يضرس عليها الكبار بأسنان حادة، بعد تمام التفرد بهم، والشعور بتمام القوة عليهم. كما هو سلوك الغش المتكرر بالتخفيضات الوهمية، وبيع الخارج عن الصلاحية، وتدليس القيمة وتفاوتها بين المعروض والسعر المسجل عند صندوق المحاسبة، وغيرها الكثير .. الذي يبرر المليارات السنوية من الأرباح والتكاثر المرضي للفروع.
من أمن العقوبة أساء الأدب..! لا عقوبة على بناء النفايات الخرسانية وبيعها الناس، ولا عقوبة على الغش في المواصفات، لأننا في المملكة من الدول القليلة في العالم التي ليست لديها مواصفات إنشائية للمباني ملزمة لمشاريع البيع. وهذا ما أتاح الفرصة للاستفراد بالمواطن، كضحية سهلة لا يحميه أحد، وليس له من ناصر ولا معين، لمعرفة العيوب المخفية، والغش في الأساسات، والبناء بالمواد المستعملة، وفضلة المشاريع، وبقايا المباني المتهدمة من الحديد والألمنيوم والأبواب وغيرها!
يفترض أن كل مبنى يراد بيعه على الناس، يجب أن يحصل على شهادة مراقبة من هيئة المهندسين السعوديين، ويجب أن يكون جزءا من رخصة البناء للوحدات التجارية، التي تبنى بقصد الاتجار أن تكون خاضعة بالكامل للهيئة، وأن تتدخل في الرخصة وزارة التجارة، وحماية المستهلك، وهيئة المهندسين السعوديين، البلدية جهة فنية تراعي الجوانب الشكلية في رخصة البناء. ولكن الرقابة على المواصفات والجودة، والسلامة الإنشائية وغيرها.. فهذا من اختصاص جهات أخرى يجب ألا يتأخر فرض رقابتها، وجعلها شرطا أوليا من شروط البناء والترخيص له، بعد هذه النتائج المروعة من الغش، واستغلال التفرد بالسوق، ونهب الناس مدخرات أعمارهم على مبان غير صالحة للبقاء أكثر من عشر سنوات في التصور الأكثر.
وبذا نحن نوجد أزمة جديدة باستمرار ولا نسهم في الخلاص الأبدي منها، من خلال فرض منتجات ذات صلابة وجودة تتوارثها الأجيال وهي في تمام عافيتها وجمالها كما هو الحال في كثير من دول العالم. البناء الجيد لمرة واحدة. ليستوعب حياة متكررة لأجيال متعاقبة .. وليس بيع مبان آيلة للسقوط من اليوم الأول من الفراغ منها! فمتى يكون الفرض إن لم يكن الآن؟! هل يأتي بعد خراب مالطا، أم بعد تهدم المباني على رؤوس ضحاياها؟!