الاقتصاد السعودي .. نمو في الزمن الحرج
لن يؤثر التراجع الهائل لأسعار النفط كثيرا في وتيرة النمو الاقتصادي في المملكة. وهذا لا يعني أنه لا توجد مشكلات ومعوقات أمام النمو بفعل هبوط أسعار النفط. كل البلدان التي تعتمد على هذه السلعة بصورة أساسية عانت (وتعاني) من جراء تراجعها، والسبب الرئيس في ذلك هو المملكة نفسها، التي تصر أمام العالم أجمع على ضرورة المضي في عملية تصحيح السوق النفطية حتى النهاية، بصرف النظر عن أي انعكاسات آنية لهذا التصحيح. ولا يوجد أمل لدى أولئك الراغبين دائما في إبقاء السوق على ما هي عليه، بأن تغيّر المملكة هذه السياسة بل الاستراتيجية، التي تكتسب مصداقية كبيرة، لأن السعودية نفسها تضررت من عملية التصحيح هذه، على اعتبار أن النفط يشكل السلعة الأهم للعوائد المالية لها.
لكن كل هذا سيتواصل إلى أن تتحقق الأهداف. صحيح أن النمو الاقتصادي في المملكة تأثر سلبا، لكن الصحيح أيضا أن هذا النمو يبقى متماسكا في حدوده المقبولة هذا العام والعام المقبل. ففي عز فترة انهيار أسعار النفط بلغ النمو الاقتصادي حدود 3.5 في المائة، في حين من المتوقع أن يستمر هذا النمو بالوتيرة نفسها في العام الجاري، مع إمكانية أن يحقق تراجعا طفيفا عن المستوى المشار إليه. وهذا يعني، أن الاقتصاد السعودي، تمكن من تجاوز آثار الصدمات الأولى والكبرى لانهيار أسعار النفط، ليس فقط بفضل الفوائض المالية المتراكمة على مدى السنوات القليلة الماضية، بل أيضا لأن اقتصاد المملكة دخل مرحلة تطوير وتحديث، حتى قبل أن تشهد السوق النفطية هذا الهبوط في الأسعار.
وكان من الواضح، أن القيادة السعودية أرادت بناء اقتصاد سعودي مختلف تماما عما كان عليه منذ تأسيس المملكة. اقتصاد يتناغم مع التطورات والاستحقاقات المحلية والعالمية، دون أن يواجه أي اضطراب. ببساطة، أطلق العمل منذ سنوات على بناء اقتصاد كلي، أكثر انفتاحا ومرونة، بما في ذلك فتح الأبواب أمام الاستثمارات الأجنبية بأقل نسبة من المحاذير والقيود. فضلا عن تركيز القيادة على ضرورة الوصول إلى مواءمة مطلوبة بين متطلبات سوق العمل ومخرجات التعليم، وذلك بهدف الحد من الضغوط التي تمثلها البطالة على اقتصاد البلاد، إضافة طبعا إلى تنويع حقيقي لمصادر الدخل، من خلال تطوير القطاعات التجارية والخدمية والسياحية والصناعية والبتروكيماوية والنقل والموانئ والمطارات، وغير ذلك من القطاعات التي تشكل في النهاية المشهد العام للاقتصاد الكلي.
هذا التوجه، إضافة إلى الفوائض المالية الضخمة، والانفتاح الاقتصادي التاريخي بالفعل، وفر ضمانات كبيرة، لنمو واقعي للاقتصاد، وتحصينه من أي اضطرابات ناتجة عن التحولات والاستحقاقات التي نشهدها على الساحتين المحلية والعالمية. وفي الوقت الذي بلغ فيه معدل النمو في السعودية العام الماضي حدود 3.5 في المائة، لا يزال الاقتصاد العالمي يعاني تراجعا مخيفا في النمو. وهذه هي المؤسسات الدولية تقوم بمراجعات تخفيضية دورية لكل توقعاتها في هذا المجال. فضلا عن تراجع خطير لهذا النمو في أغلبية البلدان المصدرة للنفط، في حين أن بعضها واجه انكماشا أشد خطوة، كروسيا مثلا. مرة أخرى، هذا لا يعني أن الأمور الاقتصادية في المملكة في أفضل حالاتها، ولكن المؤكد أنها في مرحلة تحول تاريخي بات ضروريا سواء كانت هناك أزمة في السوق النفطية أم لا.
ومقارنة بالاقتصادات المشابهة للاقتصاد السعودي، يبقى هذا الأخير في المستوى المطمئن، في حين اعتمدت الجهات الدولية أسلوب تقييس معايير اقتصادات عديدة على أساس معدلات المخاطر المرتفعة أو المنخفضة أو المتوسطة.