تعرية حسن نصر الله من شعاراته
ليس فقط المحايدون من يرون أن خطاب حسن نصر الله الأخير ضد السعودية كان خطاب كراهية، بل حتى بعض أنصار ميليشيا حزب الله يدركون أن خطاب حسن نصر الله كان مستعجلا وعاطفيا وتنقصه "التقية" السياسية. فالبعض منهم وجدوا أن الخطاب الأخير لحسن نصر الله ضد السعودية يفقد الحزب بريق الشعارات التي رفعها دهرا من الزمان خصوصا شعار المقاومة والممانعة ضد العدو الإسرائيلي. الخطاب كان بمنزلة إشعار لبدء إعادة ميليشيا حزب الله أولياته أو بعبارة أدق لكشف الحزب عن توجهاته الحقيقية. فتصريح حسن نصر الله بمنزلة تحويل بوصلة العداء لبلد الحرمين بدلا من العدو الإسرائيلي. من هنا يبرز السؤال الذي يجب أن يجيب عنه قادة ميليشيا حزب الله وعلى رأسهم حسن نصر الله هل أصبح العداء لبلد يعلن تحكيم الشريعة ويحتضن قبلة المسلمين ومسجد الرسول الأمين أهم من عدو محتل لا يبعد عن الضاحية الجنوبية سواء بضعة كيلومترات؟!
في اعتقادي أن حسن نصر الله لم يكن أمامه خيار سوى إظهار حقيقة العداء للسعودية لأنها بالفعل استطاعت أن تعري الحزب وتقطع خطوط الإمدادات التي تغذي ميليشيا حزب الله. فالحزب وجد أن السعودية تسعى لتجفيف منابعه عبر ثلاثة محاور:
الأول: على المستوى الإسلامي، استطاعت السعودية عزل إيران عن محيطها الإسلامي، فالسعودية كسبت تعاطف معظم دول العالم الإسلامي بعد أن قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع إيران خصوصا بعد أن أدرك الجميع أن الموقف السعودي لم يكن رد فعل طائش أو متسرع وإنما كان نتيجة لعوامل منطقية وعقلانية وصبر طويل للتدخلات الإيرانية في الشؤون الداخلية السعودية ولدول المنطقة. معظم دول العالم الإسلامي تفهمت الموقف السعودي، بل إن الموقف السعودي شجع دولا أخرى على اتباع النهج السعودي نفسه أو على أقل تقدير تقليل التمثيل الدبلوماسي مع إيران. هذا الموقف جعل إيران تشعر بنوع من الوحدة والانعزالية داخل محيطها الإسلامي. وما زاد عزلة إيران إسلاميا ما حققته السعودية في تشكيل تحالف إسلامي لمكافحة الإرهاب. هذا التحالف وحسب تصريحات مستشار وزير الدفاع السعودي العميد ركن أحمد عسيري له محاور فكرية ومالية وعسكرية وإعلامية وليس مقصورا على الجانب العسكري فقط. ولا شك أن هذا التحالف الذي يضم 34 دولة بقيادة السعودية، منها 17 دوله عربية، سيزيد من عزلة إيران عن محيطها الإسلامي.
الثاني: استطاعت السعودية أن تعزل النظام السوري عن المحيط العربي خصوصا بعد استمرار النظام في استخدام آلة القتل والارتماء في أحضان دولة فارسية. فالسعودية وقفت مع الشعب السوري ودعمت قضيته العادلة واستطاعت بدبلوماسيتها أن تعزل النظام السوري عن محيطه العربي. فهل من المعقول أن من يردد شعارات عروبية هو أكثر الأنظمة العربية المنعزلة عن الإطار العربي؟
ثالثا: أدركت ميليشيا حزب الله وهي من يغذيها النظام الإيراني عبر رفع شعارات إسلامية، والنظام السوري عبر رفع شعارات عروبية، أنها ستصبح معزولة عن المحيطين العربي والإسلامي. لذا لم يكن أمام أمين حزب الله إلا إصدار تصريحه الأخير حول السعودية لأنها عزلت الحزب وكشفت زيف شعارات الممانعة والمقاومة. فمن غير المعقول أن يتم عزل من يرفع شعار العروبة عن الإجماع العربي كما أنه من غير المعقول أن يتخلف من يرفع شعار دعم القضية الفلسطينية والمنافحة عن القضايا الإسلامية عن المحيط الإسلامي.
الجعجعة التي يرددها حزب الله حول دوره في الممانعة لم تعد تنطلي على المواطن العربي البسيط، فضلا عن الطبقة المثقفة وخصوصا أن أنشطته الأخيرة تحولت لتأسيس خلايا نائمة وغير نائمة في الدول العربية والإفريقية. وقد يكون النجاح الجزئي لحزب الله ومن خلفه إيران في اختطاف السياسة اللبنانية والعراقية والسورية أكسبه نوعا من الثقة بأنه أصبح بإمكانه استنساخ زرع الطائفية في دول المنطقة بما في ذلك اليمن والبحرين. لكن السعودية ومن خلفها دول الخليج العربي خصوصا كانت بمنزلة السد المنيع الذي وقف ضد تحقيق الهيمنة الفارسية على الدول العربية والخليجية خصوصا.
لذا لا أعتقد أن خطاب حسن نصر الله ضد السعودية كان مستعجلا أو عاطفيا بل كان يحكي ما تسببت فيه مواقف السعودية الحازمة من منع التمدد الإيراني الفارسي في المنطقة. فحسن نصر الله شعر أن السعودية عرَّت الشعارين العربي والإسلامي اللذين حاول النظامان الإيراني والسوري الاختفاء حولهما دهرا من الزمان، هذه التعرية للنظامين الإيراني والسوري جعلت السعودية العدو الأول لهذين النظامين ومن خلفهما ميليشيا حزب الله الذي يعتبر بمنزلة الخنجر الفارسي على الخاصرة العربية والإسلامية.