التنسيق ضد الإرهاب حتى سحقه

يبدو أن الولايات المتحدة فهمت - ولو متأخرة - ضرورة العمل المباشر مع دول الخليج العربية من أجل التنسيق في محاربة الإرهاب. وهذا الأخير ينال من المنطقة منذ عقود، ونال - ولا يزال - من عدد من البلدان الغربية، وكانت آخرها بلجيكا التي تعرضت لعمليات إرهابية دنيئة وجبانة استهدفت مدنيين عزل من جنسيات مختلفة في قلب بروكسل وفي مطارها. الإرهاب لا دين له، وهذه حقيقة عملت عليها المملكة وشقيقاتها في مجلس التعاون الخليجي، حتى قبل أن ينتشر الإرهاب في المنطقة والعالم. وتحركت السعودية على مر السنوات، ليست فقط على صعيد محاربة الإرهاب، بل أيضا نشر المفاهيم الصائبة في تعريف الإرهاب، بعد أن اختلط على غير دولة هذا الأمر، ولا سيما على الساحة الغربية.
والمركز الدولي لمكافحة الإرهاب الذي أعلنت عنه المملكة قبل ثلاث سنوات تقريبا، ورصدت من جانبها ما يزيد على 100 مليون دولار دعما له، أكد بصور مختلفة، مدى اهتمام الرياض بهذه المسألة، وكذلك مدى استعدادها لأن تكون محورا رئيسا في هذه الساحة التي تهدد العالم أجمع. ولم تترك السعودية مجالا إلا وتعاونت فيه على صعيد مكافحة الإرهاب بكل أشكاله. لأن القيم والمبادئ التي تقوم عليها تفرض هذا التعاون، فضلا عن أنها من الدول التي تعرضت بما يكفي لأعمال الإرهاب، أيضا بأشكال مختلفة. كان إرهابا محليا قام به سعوديون ضالون، لم يستفيدوا من كل الفرص التي منحت لهم كي يعرفوا أن الله حق، وإرهابا من الخارج مدعوما من أنظمة مارقة كذاك الذي يحكم إيران.
كل المشهد العام الراهن يحتم وجود مجلس أمريكي - خليجي للتنسيق في محاربة الإرهاب. وبصرف النظر عن تأخره، إلا أنه ضروري في كل الأوقات، وليس فقط في الهجمة الراهنة التي يقوم بها الإرهابيون هنا وهناك. والأمر يحتاج في مرحلة لاحقة أيضا، إلى ما يمكن اعتباره مجلسا عالميا للقيام بهذه المهمة، خصوصا بعد أن أصبح الإرهاب بلا حدود، واختلط على بعض الجهات مفهوم الإرهاب نفسه. في حين أن دولا قايضت (بعضها عن قصد وبعضها الآخر عن غير قصد) الإرهاب بمكاسب سياسية آنية لا تلبث أن ينتهي مفعولها وتزول آثارها. هذه واشنطن نفسها، التي أفرجت عن أموال إيرانية مجمدة لديها منذ سنوات، والكل يعلم أنها ستذهب مباشرة إلى المنظمات الإرهابية التي تمولها إيران لتنفيذ مخططاتها التدميرية التخريبية.
لا بد أن يكون المجلس المشار إليه واضحا حول كل شيء فيما يرتبط بالإرهاب. صحيح أن هناك إرهاب مجموعات تخريبية إجرامية حول العالم، لكن الصحيح أيضا، أن هناك إرهاب دول، ينبغي أن تعرف الخطوط الحمراء وتقف دونها. بل إن الأغلبية العظمى من العصابات الإرهابية تلقى دعما بصورة أو بأخرى من حكومات فضلت أن تكون مارقة إلى الأبد. النظامان الإيراني والسوري خير مثال على هذه الحقيقة. ومما لا شك فيه، فإن المجلس الخليجي - الأمريكي للتنسيق في محاربة الإرهاب سيختصر كثيرا من الطرق نحو القضاء نهائيا على هذه الآفة، التي ما كانت لتنتشر لولا أخطاء ارتكبتها حكومات حول العالم في التعاطي مع الإرهاب منذ بدايته. وقراءات مغلوطة للحراك الإرهابي.
الطرق ليست معبدة أمام القضاء نهائيا على الإرهاب، غير أن التزام دول المنطقة بالحرب حتى النهاية، يساعد على تحقيق قفزات نوعية في هذا المجال الخطير. فالسعودية - على سبيل المثال - لم تكتف بالالتزام في هذه الحرب، بل أيضا اتخذت خطا تقدم من خلاله المبادرات والأفكار والاستراتيجيات لتحقيق الأهداف المنشودة. وكذلك فعلت بلدان الخليج العربية الأخرى. هناك كيان قوي يوفر كل الأدوات اللازمة للقضاء على آفة هي الأخطر في السنوات الأخيرة من القرن الماضي، وفيما مضى من أعوام في القرن الحالي.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي