لا مشكلة وكالة ولا تهرب في الزكاة
في خبر نشرته "الاقتصادية" أكد مسؤول في مصلحة الزكاة والدخل، أن المصلحة تعمل على إتمام الربط مع 27 جهة حكومية للاستفادة من بيانات المكلفين لديها، بهدف التحقق من تعاملاتهم منعا للتهرب من دفع الزكاة والضريبة، والسؤال الذي طالما سألته للمصلحة ولا مجيب، هل هناك تهرب من الزكاة؟ سؤال بسيط ومع ذلك لا أحد يريد الإجابة عنه، ولهذا السؤال وجه آخر في الزكاة، هل هناك مشكلة وكالة في الزكاة Agency Problem، وبصيغة أخرى فعندما يقوم المكلف بالزكاة شرعا بالإفصاح عن معلومات غير صحيحة عن مركزه المالي ونتيجة نشاطه، فما مصلحته من ذلك؟ سأجيب عن ذلك، لا يوجد أحد سوى المكلف نفسه. وبلغة أهل المحاسبة والمراجعة لا توجد مشكلة وكالة في الزكاة "في صيغتها هذه". مشكلة الوكالة عندما يكون شخص ما وكيلا على أموال شخص آخر (الموكل) من أجل تشغيل هذه الأموال لمصلحة الموكل فإن هناك تعارضا في المصالح قد ينشأ بينهما، فقد يقوم الوكيل بتشغيل الأموال لمصلحته وتحقيق أهدافه، وقد يتعمد الموكل التقليل من نتائج أعمال الوكيل حتى لا يدفع كامل مستحقاته، لهذا تنشأ مشكلة وكالة بينهما ولا بد لهما من تكبد تكاليف حل هذه المشكلة من خلال إنشاء نظام رقابي متفق عليه وأن يتم تعيين مراجع مستقل. في الزكاة لا توجد مشكلة وكالة من هذا النوع. ذلك الذي فرض الزكاة علينا ورزقنا الأموال واستخلفنا فيها لا مصلحة له منها ـــ جل شأنه وتقدس في علاه ـــ قال تعالى "لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم"، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، فلا قدرة لمسلم أن يتلاعب على الله الذي يعلم حال كل إنسان، لهذا لا يمكن القول أن يتهرب مسلم صحيح الإسلام من الزكاة وليس له مصلحة من أن يقدم بيانات غير صحيحة عن وضعه المالي لمصلحة الزكاة، وهو مدرك تماما أنها جزء لا يتجزأ من صحة إسلامه، وأنه يخدع نفسه أولا. لهذا فإنني أتمنى من مصلحة الزكاة والدخل التوقف تماما عن استخدام عبارة المتهربين من الزكاة، فلا يصح قولنا هذا أبدا، من يتهرب عن الزكاة فهو كالمنكر لها، أو على الأقل يمكن النظر إلى حاله هكذا، حتى يثبت أنه يقوم بدفعها لغير مؤسسة الدولة. ومن أنكرها أو تهرب منها كما تقول المصلحة فموضوعه ليس مجرد مسألة مالية تحل من خلال إيقاف خدماته.
إذا قررنا أنه لا توجد مشكلة وكالة في الزكاة فكيف نبرر كل هذه التكاليف الضخمة والإجراءات المعقدة التي تحدث لتدقيق إقرارات المكلفين، كيف نبرر ما ندفعه من تكاليف في لجان الاعتراض والاستئناف وغيرها. كيف يكمن عقلا أن نخضع المكلف بالزكاة لأمر لم يقر به؟ وكيف لم يقر به أو لم يقتنع وهو صاحب المصلحة أولا وأخيرا، وكيف نعترض على ذلك وثم يرد على اعتراضنا لا يقبل منه؟ إنها مسألة يصعب تفسيرها في ظل غياب مشكلة الوكالة في الزكاة. المسألة الثانية الأكثر جدلا هي أن الزكاة على عروض التجارة، وهي في زمن ماض لم تكن ذات أثر سوى في الخلاف القديم بين الظاهرية الذين يرون أنه لا زكاة في عروض التجارة وبين الجمهور، لكن المشكلة اليوم قد تعقدت إذ إننا نكلف بالزكاة من ليس مكلفا بها شرعا وهي الشركات والمؤسسات، وليس الملاك مباشرة، فالشركات هي التي تقدر الزكاة وكالة عن الملاك، ولأن المدير هو من يحدد الأرباح ونتائج الأعمال وليس المالك مباشرة "المكلف بالزكاة شرعا"، والشركة بهذا الشكل تقع في مشكلة وكالة صريحة جدا وهي تبرر وجود مراجع الحسابات وتكاليف نظام الرقابة في الشركة، والسؤال المشكلة في زكاة عروض التجارة اليوم، هل تعمدنا أن يكون المكلف في المصلحة شركات ومؤسسات كي نوجد مشكلة وكالة ونبرر بها عمل وتكاليف مصلحة الزكاة ولجانها؟
لا زكاة إلا على شخص طبيعي مسلم مكلف شرعا بحكم النصاب، ولا توجد مشكلة وكالة بهذا الخصوص ولا مبرر عقلي ولا نظري ولا شرعي "فيما أعلم" لتدقيق إقرارات المكلفين، لكننا نبرر التدقيق وتكاليفه لأننا لم نأخذ الزكاة اليوم على غير مكلف بها شرعا وهو المؤسسة، وهو الموضوع الذي أدخلنا في مسائل شائكة جدا نتهرب نحن من الإجابة عنها من حيث وجود شركات أجنبية ملاكها مسلمون. ووجود شركات تدفع ضرائب وتدفع زكاة في الوقت نفسه وكيف نفسر وضع جميع الأطراف، ولماذا يدفع الأجنبي الضريبة وإذا كان غير المسلم عليه أن يتحمل الزكاة لتحمل مؤسسته لها وتحميل تأثيراتها المالية؟ لماذا يتحمل غير المكلف بالزكاة في المملكة تبعات مشكلة الوكالة التي تتطلب منه أن يكلف مراجعا قانونيا لأجل تقديم إقرارات الزكاة ومراجعة لجان الاعتراض؟
ليت شعري أنهم يفصلون الزكاة عن الضريبة، ليت أنهم ينظرون إلى الزكاة كأمر له شأن مختلف تماما، فهي ليست غرامة وليست عقوبة، وليس فيها تهرب، وليست فيها مشكلة وكالة ولا تحتاج إلى مراجع ومدقق، وليس إلا على مؤسسة ولا شركة بل على مكلف مسلم، وليت شعري لو أنهم يدمجون الضمان الاجتماعي بالزكاة في مؤسسة واحدة، وأن تدفع جميع مصروفات هذه المؤسسة من إيراداتها، وأن تتفرغ مصلحة الزكاة والدخل للضريبة، فهي الأكثر تأثيرا في الاقتصاد ودخل الميزانية العامة للدولة، وهي الأكثر عرضة للتلاعب والتهرب وأنه بسبب عدم تفرغها لهذه المسألة ضاعت حقوق البلاد والعبادة بسبب التستر الذي أدخلنا في متاهات اقتصادية انتهت بنا اليوم إلى قرارات عجيبة مثل أن تغلق محال البقالة الصغيرة في الأحياء.