حقيقة قيمة «الشبوك»

من المهم في وقت التقلبات الحاصلة في أسعار العقار أن نفرق بين مصطلحين من مصطلحات الاقتصاد العقاري، وهما "السعر المتوقع والسعر الحقيقي"، حيث يوضح كتاب "مبادئ الاقتصاد العقاري" المعد من قبل جامعة بريتيش كولومبيا أن السعر الحقيقي هو السعر السائد لسلعة عقارية في منطقة معينة، بينما يعرف السعر المتوقع بأنه التوقع المستقبلي لسعر العقار، مع افتراض عدم حصول أي تغيرات مؤثرة في السوق، وهذا النوع من السعر هو ما يجذب المضارب لشراء العقارات، حتى إن لم يمثل السعر الحقيقي في بعض الأحيان لتوقعه ارتفاع السعر مستقبلا، وفي المقابل تجعل صاحب العقار يحتفظ به أطول مدة ممكنة حتى يستفيد من نمو قيمته.
حقيقة قيمة "الشبوك" ترتكز على مبدأ بسيط وهو أن يبقى السعر الحقيقي للأراضي داخل المدن مرتفعا بفعل انتعاش السوق، وبالتالي تبقى الأسعار المتوقعة لهذه "الشبوك" مرتفعة أيضا، لكن نظرا لقلة التداول في الأراضي الخام ومحاولة اكتنازها حتى يصل إليها التمدد السكاني، يتضح أن قيمتها الحقيقية تكمن في إيهام الناس أن الأراضي المخدومة داخل المدينة شحيحة، ولا يمكن أن تغطي الطلب الحالي، لكن الواقع يقول إنك تحتاج إلى دقائق فقط تتجول فيها إلكترونيا عن طريق "خرائط جوجل" فوق المدن الرئيسة لتعلم مدى اتساع رقعة المساحات غير المستغلة التي تتوسط الأحياء السكنية، وكذلك فإن الأرقام تدعم فكرة أن الأراضي التي تتوافر بها الخدمات ليست شحيحة، ويمكنها على الأقل أن تحل مشكلة السكن اليوم وترفع معدلات التملك بشكل عاجل، وذلك وفقا لورقة عمل قدمتها اللجنة الوطنية العقارية بعنوان "أثر القطاع العقاري على سوق العمل في السعودية" ذُكر فيها أن الأراضي التي تقع ضمن حدود التنمية العمرانية تمثل 4 في المائة من مساحة المملكة البالغة 2.24 مليون كيلومتر مربع وفقا لوزارة الشؤون البلدية والقروية، وأن 50 في المائة من هذه الأراضي مستعملة، وفي المقابل تشكل نسبة الأراضي غير المستعلمة وغير المخططة 41 في المائة، بينما تمثل الأراضي غير المستعلمة والمخططة 9 في المائة أي بمساحة 8.064 «مليار» متر مربع، ولو افترضنا أن 10 في المائة فقط من هذه الأراضي المخططة مخدومة ببنية تحتية متكاملة؛ فنحن نتحدث عن مساحات من الممكن أن تحوي 1.37 مليون فيلا بمساحة 300 متر مربع، لذا ليست المشكلة في "الشبوك" الواقعة في أطراف المدن فقط، وإنما هناك تشوه تنموي كبير داخل المدن ووسط الأحياء السكنية، لأنه لولا التوسع غير المبرر بسبب المضاربة من جهة والاحتكار من جهة أخرى للمخططات وقطع الأراضي داخل الأحياء المعمورة لما كان لـ"الشبوك" قيمة، ولما حرص أحد على محاولة الاستحواذ على أي شبر من هذه الأراضي البعيدة، لذلك لنعالج السبب الحقيقي خلف ظاهرة الشبوك، وذلك بجعلها بلا قيمة تذكر عن طريق رفع كفاءة الأراضي السكنية داخل المدن واستغلالها، حيث لا تخلو أي أرض سكنية من وحدات سكنية تغطي على الأقل 50 في المائة من مسطحات البناء المصرح عليها، فبقاء هذه الأراضي دون استغلال يعتبر هدرا صريحا لموارد الدولة والمجتمع، حيث أظهرت دراسات معهد التنمية المستدامة في كندا أن التكاليف التشغيلية السنوية للبنية التحتية المتكاملة وصيانتها، وتوفير النقل العام والخدمات الصحية والتعليمية والأمنية تصل إلى الضعف في حال إيصالها إلى ضواحي المدن، ناهيك عن المبالغ الضخمة التي ينبغي أن تضخ بداية لكي تتحول الصحاري القفار إلى بيئة مناسبة للبشر، إضافة إلى الضرر الذي سيقع على المواطن من جراء تكاليف التنقل من تلكم الضواحي إلى مقر العمل، ولا سيما مع قرار رفع الدعم تدريجيا عن البنزين خلال السنوات المقبلة، لذا لا شك أن هناك ضررا بالغا على المواطن والوطن بوجود أراض سكنية داخل المدن غير مستغلة بشكل كفء، بل إن حبس أرض بمساحة عشرة آلاف متر مربع وسط حي سكني مخدوم يعد أشد ضررا من حبس 100 ألف متر مربع في طرف المدينة.
الخلاصة، ما نحتاج إليه لحل الأزمة بشكل عاجل من أراض مخدومة متوافر، ولكن تحتاج إلى إرادة جازمة تسعى إلى تحويل هذه المساحات من معوّقة للتنمية إلى وسيلة لإنتاج وحدات سكنية ترفع من حجم المعروض في السوق بشكل فوري، بعكس الأراضي الخام التي تحتاج إلى سنين طويلة لاستخراج الرخص وإنجاز البنية التحتية ثم إنشاء الوحدات السكنية، لذا فالحل المناسب أن تكون الأراضي الخام وقطع الأراضي والبلكات التي تتوسط أحياء المدن مشمولة برسوم الأراضي البيضاء لتتحقق أهداف الرسوم بشكل عاجل عن طريق توفير الأراضي المطورة حالا وبسعر مناسب في وقت وجيز مع ضمان منع الاحتكار والمضاربة بها، مع استثناء مساحة 1.500 متر مربع مثلا لكل شخص لاستخدامها كسكن شخصي، وما يراهن عليه المحتكر هو أن تبقى الأراضي المخدومة داخل المدن بمنأى عن الرسوم ليعزز ممارساته الاحتكارية من خلالها، وهذا ما يجب أن تضعه وزارة الإسكان في اعتبارها عند إصدار اللائحة التنفيذية؛ فليس من المنطق استثناء أو إمهال أصحاب هذه الأراضي المخدومة؛ لأنه لا مبرر لتركها خاوية دون تطوير عاجل.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي