رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


إيران في مواجهة حقيقتها الاقتصادية

يسعى النظام الإيراني جاهدا لكسر ما أمكن له من الجليد حول علاقاته المصرفية مع العالم، ولاسيما في البلدان الغربية؛ فقد وجد أن رفع العقوبات الأوروبية المفروضة عليه في أعقاب الاتفاق النووي المعروف، لا يعني بالضرورة إمكانية وصوله سريعا إلى النظام المصرفي العالمي، وأن هناك فترة طويلة قبل أن يكون جزءا غير مشكوك فيه في هذا النظام، وأن تحالفاته مع بلدان ليست أفضل حالا على الصعيد الاقتصادي منه، لا توفر له سوى سند صوتي بلا أي قيمة فعلية، وأن "الاحتفال" برفع العقوبات، بدأ مبكرا وانتهى مبكرا أيضا، بعدما اكتشف نظام الملالي وجود خطوات وممرات كثيرة ومتشعبة، للوصول إلى الحد الأدنى من روابطه مع النظام المصرفي العالمي، ولا سيما الغربي.
ورغم التهافت الذي شهدته الأسابيع القليلة الماضية من جانب المؤسسات الغربية (ولا سيما الأوروبية) على الدخول للسوق الإيرانية، إلا أنه ظل تهافتا دون حراك فعلي مؤثر، والسبب يبقى دائما، الخوف من العقوبات الأمريكية على هذه المؤسسات (ولا سيما المالية منها)، ما دفع كبار المسؤولين في النظام الإيراني إلى استجداء الحكومة البريطانية أخيرا للتدخل من أجل تحريك خطوات دخوله النظام المصرفي العالمي، دون أن ينسى هؤلاء توجيه الانتقادات للولايات المتحدة باعتبارها معرقلة لهذه الخطوات حتى على الجانب الأوروبي. بمعنى آخر، المؤسسات المالية الأوروبية تخشى واشنطن من فورة جديدة تستهدفها بغرامات وعقوبات غير محسوبة. الإدارة الأمريكية قالت في أكثر من مناسبة، إنها لا تقف عائقا أمام أي تحرك بهذا الاتجاه، والأمر يعود في النهاية للمؤسسات الأوروبية المعنية.
لا حركة تجارة واستثمارات مع إيران كما يتمنى نظام علي خامنئي، بات ذلك مؤكدا, بصرف النظر عن بعض الصفقات التي تمت في مجال هنا وآخر هناك. وباتت إيران الآن مهددة حقا بأزمة مدفوعات، لأن الشيكات الإيرانية لا تزال مرفوضة دوليا، وأن النظام المصرفي الإيراني لا يزال معزولا. صحيح أن بعض الأموال الإيرانية المجمدة تم الإفراج عنها، لكن هذا لا يساوي شيئا ضمن أحلام طهران بتدفق الاستثمارات الأجنبية، ولا سيما في مجال الطاقة. المصارف الأوروبية باتت واضحة الآن (بعد شهرين تقريبا من رفع العقوبات)، بأنها لا تستطيع المجازفة مع إيران. أما بالنسبة للمصارف الأمريكية، فلا تزال ممنوعة من التعاطي مع إيران، وستبقى هكذا حتى تكتمل الصورة حول نيات النظام الإيراني حيال كثير من القضايا المحورية؛ فهذا النظام يظل محل شك حتى يثبت العكس، لأنه في الواقع استنفد كل الفرص على مدى عقود لإثبات حسن نياته.
المؤسسات المالية غير الأمريكية تعتقد أن الأمور ليست واضحة تماما من الجانب الأمريكي، لأن واشنطن لم تضع قائمة بالممنوعات والمسموحات. وهذا صحيح، إلا أن المسؤولين الأمريكيين يؤكدون أن هذا الأمر لا يعود لهم بل للمؤسسات المعنية، وهي قادرة على تحديد طبيعة التعامل بين شرعي ومشين ومشبوه. في الواقع، حتى بعض المسؤولين الأوروبيين (من بينهم فرنسيون) يطالبون بضرورة فرض عقوبات جديدة على إيران في أول مخالفة ترتكبها للاتفاق النووي. واعتبروا (مثلا) أن التجربة الصاروخية الإيرانية الأخيرة كانت كافية لفرض عقوبات، لكن لم يتخذ أي إجراء بشأنها.
ستواجه إيران بنظامها الذي يرفض اتخاذ سياسة أقل عدائية حيال بلدان المنطقة وغيرها من الدول التي نال منها الشر الإيراني، مزيدا من الأزمات الاقتصادية في المرحلة المقبلة. فإنها تقترب الآن من مرحلة التخلف عن الدفع، ولا أمل لديها في أن يتم قبول شيكاتها. ستبقى عزلتها الاقتصادية، وليس مهما التكالب الصوتي لبعض المؤسسات الغربية اللاهثة لصفقات مع نظام مشكوك فيه، رغم الاتفاق النووي الذي لاقى ما لاقاه من معارضة حتى في البلدان الذي قامت بالتوقيع عليه.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي