رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


عندما يتحدث الراحل

في مقابلة مع مجلة "ذي أتلانتيك" أطلق الرئيس الأمريكي باراك أوباما لسانه موجها اتهامات شديدة نحو المملكة، ولم يراع الأعراف الدبلوماسية، ولا سجل العلاقات بين المملكة وبلاده، والمواقف التي اتخذتها المملكة خدمة لأمريكا في كثير من المحطات التاريخية التي احتاجت فيها أمريكا إلى خدمات المملكة وبما يخدم سياستها، ومصالحها في منطقتنا، بل على مستوى العالم. سيل الاتهامات للمملكة تنوع، حيث أتهمها بأنها تصدر الإرهاب والتطرف، كما أن التغير الذي حدث في إندونيسيا من حالة الإسلام المعتدل إلى الإسلام المتطرف إنما تم بفعل الأموال التي ضخها السعوديون ودعم المدارس الوهابية التي انتشرت في إندونيسيا.
من اتهامات أوباما أن المملكة هي من فجر الأبراج في نيويورك رغم أن المحاكم الأمريكية أدانت إيران وأصدرت أحكاما تطالبها بمليارات الدولارات تعويضا لأهالي الضحايا، فهل أوباما بمثل هذا التصريح يتهم القضاء الأمريكي ولا يثق به أم أن هناك مآرب أخرى أراد أوباما أن يحققها قبل رحيله عن البيت الأبيض؟! تعطيل المملكة لنصف المجتمع كما يدعي أوباما يحتاج إلى وقفة متعمقة نقارن فيها بين وضع المرأة في مجتمعنا والمرأة في المجتمع الأمريكي، لا بد من إقرار حقيقة أن ما حققناه في مجتمعنا للرجال أو للنساء ليس ما نتطلع إليه لكن لا يمكن قبول أن تكون المرأة الأمريكية مثالا يحتذى، فقيم الحرية المنفلتة السائدة في المجتمع الأمريكي لا تقبلها حرائر العرب والمسلمين.
احتمالات كثيرة تقف وراء اتهامات أوباما للمملكة والخليج وربما يفسرها قوله في التصريح ذاته إن أمريكا تنوي ترك الشرق الأوسط وتركز على آسيا وأمريكا الجنوبية لأن مصلحة أمريكا المستقبلية في هذه المناطق، الاحتمالات الممكن أن تكون أسبابا لهذه الاتهامات أولها أن هذه قناعات شخصية توصل إليها خلال مشوار حياته وربما بشكل أدق بعد توليه الرئاسة خاصة ما يمده به مستشاروه من معلومات ليس بالضرورة أن تكون صحيحة لكنها بالتأكيد أثرت في قناعاته واتجاهاته السلبية نحو المملكة.
أما الاحتمال الثاني فربما أن التصريح قد يكون عملية يراد منها الحصول على بعض المكاسب الشخصية قبل أن يترك كرسي الرئاسة، ولو كان هذا السبب فهذا يكشف النفعية الفردية لبعض الساسة الأمريكيين الذين تشربوا هذا المبدأ من تربيتهم الرأسمالية المتطرفة.
الاحتمال الثالث لمثل هذه الاتهامات هو أنها عملية انتقام من المملكة التي ربما انتهجت سياسات في الفترة الأخيرة لا تروق ولا تتفق مع السياسة الأمريكية ولا تبالي بالخطوط الحمر التي تشهرها بين فينة وأخرى في وجه الدول لتتحكم في صيرورة السياسة الدولية وبما يخدم مصالحها، وقد يكون قرار «عاصفة الحزم» التي تفاجأت أمريكا بها، إضافة إلى الاختلافات بشأن الثورة السورية التي راوغت أمريكا بشأنها وأعطت وعودا كاذبة بشأنها خدمة لإسرائيل وإيران وبما يؤهل نظام بشار ويفشل الثورة في نهاية المطاف.
الاحتمال الرابع الذي يكمن وراء اتهامات أوباما هو أنها عملية فتح ملف للمملكة محتواه سلبي يجهز ويوضع على طاولة الرئيس الأمريكي الجديد ليتم فتحه حسب الظروف والمصلحة الأمريكية، فالرئيس الجديد يجد موضوعا جاهزا يتولى تناوله الإعلام ويسلط الضوء عليه ليجد الرئيس الجديد ألا مناص له إلا إثارة الموضوع. قناعتي الشخصية أن هذا الاحتمال هو الأرجح خاصة إذا علمنا أن صناعة القرار الأمريكي مؤسسية ولا تترك للرئيس ليجتهد أو يتفرد في القرار.
ما يدعوني لترجيح الاحتمال الأخير توقيت إطلاق الاتهامات، حيث جاءت قبل أشهر من مغادرة أوباما البيت الأبيض ليحل محله رئيس جديد يحتاج إلى أن تكون الأرضية مهيأة له ممن سبقه، كما أن تزامن المقابلة مع مناورات رعد الشمال التي تمكنت المملكة من حشد 20 دولة إسلامية شاركت فيها والتي تمثل تطورا في رسم السياسة الوطنية للمملكة بعيدا عن تأثير اللاءات والخطوط الحمر الأمريكية، إضافة إلى ما يشكله التوجه الجديد من نظرة استراتيجية توجد موطئ قدم للعالم الإسلامي لتشكيل قوة مثل حلف النيتو الذي تهيمن عليه دول خلفيتها مسيحية عدا تركيا.
كتبت في هذه الصفحة، وقبل تصريح أوباما الناري ضد المملكة مقالا بعنوان «أوراق قوية لم نستغلها بعد»، طالبت فيه بضرورة مواجهة الغرب بجرائمه، وكشف أوراقه السوداء عبر التاريخ، التي لن يكون آخرها، ولا أولها زراعة الكيان الصهيوني ودعمه وإمداده بكل عناصر القوة السياسية، والاقتصادية، والعسكرية، ولذا أؤكد هذا المبدأ، مع الثقة بأنفسنا، وأبنائنا وإمكاناتنا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي