المحاكم التجارية تدعم الاقتصاد والاستثمار

بعد أن تمت الترتيبات بين وزارة العدل وديوان المظالم لبدء عمل المحاكم التجارية والانتهاء من محضر استكمال إجراءات إنشاء المحاكم التجارية وتوقيع وثيقة بين الجهتين، سوف تبدأ المحاكم التجارية عملها تحت مظلة المجلس الأعلى للقضاء من أجل أداء أفضل، ومن أجل تسريع إجراءات الفصل في الدعاوى التجارية، وهو ما نصت عليه الأنظمة العدلية حرفيا، ولكن لأهمية التوقيت وجاهزية المحاكم التجارية إداريا وفنيا ووظيفيا فقد احتاج استكمال هذا المشروع الوطني الطموح إلى وقت أطول مما هو محدد بموجب النظام.
ولدعم سرعة وجودة الفصل في المنازعات التجارية وكعمل رديف للمحاكم التجارية، فإن التحكيم التجاري حقق قفزة في طبيعة المنازعات التي ينظرها ويفصل فيها؛ حيث تصدى للفصل في بعض المنازعات العقارية والهندسية التي يرغب أطرافها في الخضوع لآلية التحكيم من خلال المركز الذي يحقق للخصوم السرعة والسرية في الفصل في المنازعات واكتساب أحكامه الصفة النهائية وحسم النزاع، وهذه الخطوة تأتي بعد عزوف شديد عن اللجوء إلى التحكيم. وكان لا بد من النظر الجاد إلى وضع التحكيم ومدى اتفاقه إيجابا مع الوضع القانوني في منظمة التجارة العالمية، وعلى الأخص ما قد يعد قصورا في الجانب التنظيمي لقضاء التحكيم، والأهم تلك الحلول البديلة التي يبحث عنها الراغبون في اللجوء إلى التحكيم، حيث لا خيار أمامهم في اختيار التحكيم التجاري المحلي أو الدولي الخارجي.
إن الأمل معقود بالفعل على مركز التحكيم التجاري السعودي، فالقضاء التجاري يعاني كم القضايا التجارية ونوعها وبطئا شديدا يتنافى مع طبيعة التجارة التي تقوم أساسا على السرعة والاستثمار الأمثل للمال والوقت والجهد؛ فضلا عن عدم وضوح كاف للرؤية في بدء انتقال الدوائر التجارية في ديوان المظالم إلى جهة القضاء العادي، وتكوين المحاكم التجارية لتكون محاكم لها استقلال وذاتية متميزة من بين المحاكم، وكذلك بدء دوائر الاستئناف التجارية وفتح باب الترافع أمامها عمليا بدلا من نظام التدقيق المعمول به حاليا، حيث لا يمكن اعتباره استئنافا على أي حال. ولأهمية فعالية التحكيم وعدم تعرض قراراته للنقض إلا في أضيق نطاق متى مست العدالة بشكل واضح، فإن دورا مأمولا من وزارة العدل ينتظره التجار والشركات والمؤسسات التجارية.
إن أهم ما يمكن الإشارة إليه أن أحكام هيئات التحكيم ستكون نهائية مكتسبة لحجية الأمر المقضي به وتكون تلك الأحكام واجبة النفاذ حسب نص المادة 52 من النظام الجديد، وهذا يعني أنه لن تكون هناك ولاية للمحكمة المختصة على مراجعة أحكام التحكيم وفق سلطتها التقديرية المطلقة، وهذا في حد ذاته يعد نقلة نوعية كبيرة في قضاء التحكيم الذي كان يدور في حلقة مفرغة بين هيئات التحكيم والمحاكم المختصة حتى تضيع معالم القضية وتتحول إلى مجموعة من الأوراق في ملف دعوى خال من أي قيمة تنفيذية لمحتوى ذلك الحكم الذي قد يستغرق وقتا طويلا وجهدا ومالا غير مسترد في جميع الأحوال؛ فضلا عن أنه يغلق الطريق أمام من يريد اللجوء مباشرة إلى القضاء.
ومع كل الأمل في أن يكون التحكيم المحلي لدينا قد لبس ثوبا جديدا بصدور نظامه الجديد، إلا أن هناك دعوى أوردها النظام الجديد وسماها دعوى بطلان حكم التحكيم وقد تضمنها الباب السادس من النظام وفصل القول فيها في المواد 49 و50 و51 وهي الطريق الوحيد لمن أراد الاعتراض على أحكام التحكيم ومن المتوقع أن تكون هناك خطوات جادة وسريعة في تنفيذ إعادة هيكلة السلطة القضائية وإتمام مراحل إنشاء المحاكم المختصة؛ لأنها مشروع ضخم يجب أن يكتمل بعد أن قطع شوطا كبيرا لإنهاء كامل الترتيبات القانونية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي