رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


عندما لا تقود الشركات الكبرى الفكر القطاعي

قال لي أحد رجال الأعمال مع الأسف الشديد إن فكر القطاعات الاقتصادية يتصدى لطرحه من خلال وسائل التواصل المختلفة ويشكله في أذهان الشرائح المهمة والحيوية من صناع قرار ورأي ومستهلكين ورأي عام وغيرها ثلة من غير المتعمقين والممارسين في هذه القطاعات ممن امتهنوا الكتابة في المجال الاقتصادي بشكل عام دون معرفة فكرية ممزوجة بممارسة عملية على أرض الواقع، وبالتالي فإن معظمهم يعرف ماذا؟ Know What أو شيئا من ماذا؟ إلا أنه بكل تأكيد ليس ممن يعرفون كيف؟ Know How الذين مارسوا العمل القطاعي في الميدان وتعايشوا مع واقعه الدولي والمحلي بكل تفاصيله.
وأضاف أن هؤلاء الذين تصدوا لصناعة الرأي العام والتأثير في الشرائح المعنية في كل قطاع رغم ضعف وعيهم ومعرفتهم العميقة في دهاليز أي قطاع اقتصادي ومحفزاته النادرة وعوائقه الكثيرة فإنهم أصبحوا مؤثرين بشكل كبير لأنهم يغلفون منطقهم غير الدقيق السطحي في معظم الأحيان بمداخل عاطفية تدغدغ مشاعر متابعيهم ولأن المتابعين يعانون وعيا ضعيفا حيال القطاعات الاقتصادية مدار الطرح، مؤكدا أن وسائل الإعلام في بلادنا لا تقوم بمهامها بنشر الوعي الاقتصادي كما ينبغي كما هو الحال في الدول الرأسمالية المتقدمة ما انعكس سلبا على علاقة مكونات أسواق هذه القطاعات حيث تحولت العلاقة بين عناصره وخصوصا المنتج والمستهلك إلى علاقة توتر وخصام وتربص، وعلاقة طرفي نقيض كل منهما يريد أن يحقق أهدافه على حساب أهداف الآخر في حين أن العلاقة يجب أن تكون علاقة تكامل ووئام واستدامة تقوم على مبدأ الجميع يربح.
قلت له ستة أصناف يمكن أن يتصدوا لطرح الفكر الخاص بأي قطاع اقتصادي في إطار فكر الاقتصادي الكلي وهم مراسلو الصحف وكتابها، والأكاديميون المتخصصون المهنيون العاملون في القطاعات الاقتصادية، ورجال الأعمال المستثمرون في هذه القطاعات، وقيادات مراكز الأبحاث في القطاعات الاقتصادية وبعض الباحثين، ومسؤولو الأجهزة الحكومية المتخصصة في تنظيم هذه القطاعات وتطويرها وحماية عناصرها Regulators. وبكل تأكيد المنطق يقول إن أفضل من يتحدث في فكر أي قطاع اقتصادي وواقعه في بلادنا وفي الدول الأخرى، والفجوة وأسبابها، والتطلعات والجهود والمتطلبات اللازمة لسد الفجوة، والمستقبل المتوقع محليا ودوليا، هم المستثمرون والمهنيون في هذه القطاعات خصوصا من هم على رأس الأجهزة التنفيذية كالرؤساء التنفيذيين ومديري الإدارات، ولذلك ما أن يتحدث رئيس مجلس إدارة أو رئيس تنفيذي لشركة كبرى في أي قطاع في الدول المتقدمة حتى تلتقط كلماته على محمل الجد وينطلق الجميع في إعداد خططهم وتصوراتهم بناء على حديثهم.
في حين أننا ما زلنا نعاني عزوفا شديدا من رجال الأعمال المستثمرين والمهنيين في بلادنا في معظم القطاعات عن الحديث وعن ضخ الفكر بالتزامن مع ضخ المنتجات أو الخدمات إلا ما ندر، ولذلك أخليت الساحة للبقية التي باتت تطرح فكرا لا ينطلق من تجارب وواقع ممارس وإنما من معلومات وبيانات ناقصة أو محللة وفق هوى أو خارج سياقاتها الأمر الذي أضر بأسواق معظم قطاعاتنا الاقتصادية ما جعل معظم منشآتنا الاقتصادية في صراع مع مكونات بيئتها من جهات منظمة ومستهلكين وصناع رأي من مراسلين وكتاب وشخصيات مشهورة ذات أثر في الرأي العام وإن كانت تهرف بما لا تعرف.
قال لي صدقت معظم رجال الأعمال والرؤساء التنفيذيين ومديري العموم في معظم الشركات الكبرى لا يتحدثون لوسائل الإعلام إلا فيما ندر لأن البيئة العامة لتلقي حديثهم غير مشجعة ومستوى الثقة بهم متدن فماذا لو أضفنا لذلك سوء النقل وسوء التفسير والتحليل لما يقولونه لوسائل الإعلام وكم من إجابة لرجل أعمال أعيدت صياغتها من مراسل صحافي فأصبحت وبالا عليه، وكم من تصريح أدلى به رجل أعمال يريد به مقصدا معينا واضحا كالشمس في رابعة النهار فقام البعض بتحويره وتحليله على ما يشتهي ونقله للرأي العام فأوغر الصدور وأضر بصورة رجل الأعمال المتحدث.
قلت فلِم لا يتصدى للحديث عن القطاعات الاقتصادية ممثلوها في الغرف التجارية والصناعية ومجلس الغرف؟ فقال لي مع الأسف الشديد يحجم الكثير من رجال الأعمال، إلا ما ندر، عن الانخراط في مجالس إدارات الغرف ولجانها وكذلك مجلس الغرف التجارية والصناعية لعوامل عديدة أهمها ضعف إمكانات الغرف المالية والبشرية ومراكز دراستها ومعلوماتها ولذلك باتت غير قادرة على التعبير عن فكر قطاعاتها الاقتصادية ونقله للرأي العام والمسؤولين، كما أصبحت غير قادرة على الدفاع عن قضايا قطاعاتها أمام الأجهزة والهيئات الحكومية المنظمة، بل إنها في بعض الأحيان غير قادرة على نقل وجهة نظر كبار الشركات العاملة في القطاعات المعنية بها حيال أنظمة أو قرارات أو إجراءات غير محفزة أو معيقة لها.
وأقول مثل هذا الحوار جرى معي في أكثر من لقاء مع رجال الأعمال الذين يطرحون فكرا اقتصاديا وقطاعيا عميقا وما زال المشهد الإعلامي يتصدره غيرهم من المراسلين والكتاب والأكاديميين الذين لم يسبروا أسرار هذه القطاعات بالمعرفة والممارسة، في حين يتراجع أصحاب المعرفة العميقة الناشئة عن الممارسة المتواصلة إلى الصفوف الخلفية ما جعل الرأي السائد أكثر ضررا من عدمه. ختاما أقول لملاك وأعضاء مجالس وقادة الشركات الكبرى في جميع القطاعات إذا تركتم ساحة الطرح الفكري الإعلامي فيما يخص قطاعاتكم فإن الساحة لن تبقى فارغة بل سيملأها غيركم بفكره الذي لا يرتقي لفكر العارف الممارس ذي الخبرة العميقة فيصنع رأيا عاما يضر أسواقكم من ناحية كما يضر منشآتكم الاقتصادية والمستهلكين من ناحية أخرى وعندها تعضون أصابع الندم دون فائدة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي