النقل العام على المسار الصحيح
التحول نحو اقتصاد يعتمد على القطاع الخاص له متطلباته الأساسية، ولعل أهم متطلباته هو تخفيف الضغوط البيروقراطية ومشاركة القطاع الخاص في عملية اتخاذ القرار. ومنذ عام 1997 اعتبرت المملكة أن الخصخصة خيار استراتيجي للاقتصاد السعودي. وبدأ المجلس الأعلى للاقتصاد في حينه وبرئاسة الملك عبد الله ـــ رحمه الله ـــ رسم وتنفيذ السياسات الاقتصادية بدءا بالاتصالات ثم الكهرباء والمناطق الصناعية والموانئ والمطارات وخطوط الطيران. ولضمان نجاح كل تجربة كانت المملكة تحرر القطاع المستهدف من خلال إنشاء هيئة تنظيمية إشرافية لها مجلس إدارة معين، حيث تتولى هذه الهيئة تنفيذ سياسات تخصيص وتنظيم فتح السوق وإدخال الشركات بطريقة تضمن سلاسة العمل وضمان عدم تأثر المواطن بهذه التغيرات الأساسية في الاقتصاد. وقد بدأت ملامح هذه التجربة تعطي ثمارها عندما أنشئت هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات تحت مسمى "هيئة الاتصالات السعودية" وبعد أن تم إنشاء شركة الاتصالات السعودية كشركة مساهمة عامة، تم إدخال عدد آخر من الشركات للسوق، وهو الإجراء نفسه الذي تم مع هيئة تنظيم الكهرباء والإنتاج المزدوج، وهذا كله يشير إلى عزم المملكة على التحول المدروس ودون أن يتحمل المواطن تبعات التغيرات في هيكل الاقتصاد، بل يشعر فقط بمزاياه، ولهذا أيضا فإن الانتقال من خطوة إلى خطوة لا يأتي متسرعا بل بحذر الحريص، وبعد أن يتم استكمال مراحل كل تجربة.
واستكمالا للطريق فقد وافق مجلس الوزراء هذا الأسبوع على إنشاء هيئة النقل العام، وهي بلا شك خطوة صحيحة وفي المسار نفسه الذي نجح في الاتصالات وغيرها. الهدف هو تنظيم قطاع النقل بشكل يرتقي لتطلعات المجتمع، فنحن نعبر اليوم حاجز 30 مليون نسمة، وبالتالي فإن دور النقل العام مهم جدا في تخفيف ضغوط الازدحام على الطرق، كما أنه سيسهم في ترشيد استهلاك الوقود وتحسين البيئة، وفوائد لا حصر لها وليس هنا مجال لذكرها. النقل العام أصبح ضرورة اقتصادية حتى لتنظيم نقل العمال من الضواحي السكنية المستهدفة إلى مراكز الأعمال في وسط المدن، وسيحل مشكلة نقل المعلمات التي أصبحت مشكلة عميقة. وحل هذه المشكلات جميعها بدوره سيحرر الاقتصاد كثيرا وسيوجد فرص عمل واسعة. ولتحقيق كل هذا فإن إنشاء الهيئة مطلب وسيعمل على دمج هيئة الخطوط الحديدية وهيئة النقل العام في هيئة واحدة تسمى "هيئة النقل العام" تهدف الهيئة إلى مراقبة وتنظيم أعمال القطاع الخاص في النقل العام، ورفع مؤشرات الأداء والكفاءة والسلامة.
ولأن دور القطاع الخاص حيوي جدا وهو محور العمل فقد جاء قرار مجلس الوزراء أن يكون للهيئة مجلس إدارة برئاسة وزير النقل، وعضوية كل من رئيس الهيئة وممثلين من وزارات (الداخلية، والمالية، والنقل، والشؤون البلدية والقروية، والاقتصاد والتخطيط، والتجارة والصناعة)، وثلاثة من القطاع الخاص ذوي علاقة بنشاط النقل، يعينون بقرار من مجلس الوزراء بناء على ترشيح من الوزير. وجود ثلاثة من القطاع الخاص من ذوي العلاقة بنشاط النقل، سيساعد في تطوير قطاع النقل العام من خلال الاستماع لمرئيات القطاع الخاص حول السبل المطلوبة من أجل تطوير هذا القطاع، كما يسمح للهيئة الجديدة بأن تتفهم مشكلات هذا القطاع وأسباب تأخر نهضته بما يتقارب مع النهضة الهائلة التي تشهدها المملكة، كما أنه سيحدد الخيارات المثلى لدخول القطاع الخاص وآليات ذلك. أضف إلى كل ذلك أن وجود ثلاثة أعضاء من بين 11 عضوا في المجلس سيحمي القطاع من سيطرة رجال الأعمال على القرار، ولكنه لن يحرمهم من حق المشاركة في صنع القرار بما يخدم الوطن ومواطنيه أولا وأخيرا، وهو الهدف الذي تصبو إليه القيادة الحكيمة لهذه البلاد.