عام على الحرب

تمر قرابة عام على إعلان التحالف العربي "عاصفة الحزم" لمساعدة الحكومة الشرعية في اليمن. أتى تهديد الحوثيين للمملكة صريحا ومباشرا ما اضطر المملكة إلى الدخول في حرب مستحقة، حيث وجدت تأييدا واسعا. منذ تأسيس المملكة وهي تعمد إلى سياسة خارجية تهدف إلى السلم والتعاون ولذلك لم تدخل في حروب طويلة ما جعل المراس والتجربة القتالية قليلة، ولكن أيضا لم تغفل المملكة عن دعم المؤسسة العسكرية ماديا وبشريا وعلى مدى عقود طويلة حتى قبل عصر النهضة النفطية. الهجمة التوسعية الإيرانية أصبحت معروفة ولا تحتاج إلى سرد هنا بما في ذلك رغبة جامحة في الهيمنة على نفط الخليج. النظرة الواقعية تقول إن للحروب دورا في إعادة تمكين الدول ومراجعة الأولويات واختبار الكفاءات وإعادة جدولة التصنيع وتقدير النواحي المعنوية، خاصة دور الشهداء. الحرب تصبح جزءا من النسيج المجتمعي حين تمتد التضحيات إلى كل القطاعات والفئات المجتمعية ويعيش الجميع الهم الوطني. الحرب بالمعنى الشامل جديدة على المجتمع السعودي والخليجي ولكن الحروب الدفاعية لا تختار زمانا أو مكانا.
قبل الحرب بعدة أشهر اطلعت على فيلم توثيقي استضاف أحد قادة الحوثيين على الحدود السعودية، وأشار الحوثي إلى أنهم لا يعترفون بالخط الفاصل وأنهم بصدد إزالته. يقود الحوثيون حربا بالوكالة وهذه أحد أنواع الحروب التي أشار إليها الفيلسوف الألماني نيتشه قبل نحو 140 عاما، الذي اتهم بأنه المنظر للعدوانية الألمانية المفترضة. نقتبس منه "أن يكون الواحد قادرا على المعاداة، أن يكون عدوا، يتطلب التمتع بطبع قوي وعلى أي حال فإن ذلك مقترن بكل طبيعة قوية، إذ إن هذه الأخيرة تحتاج إلى مقاومة، ولذلك تبحث عن مقاومة، فالنزوع العدواني ينتمي بالموجب الضروري نفسه إلى القوة، كما تنتمي مشاعر الضغينة والنزوع من الانتقام إلى الضعف. وكي يتبلور النزوع العدواني لا بد من إثارة الفوضى والمشاحنات بين جماعات الضغط السياسية أو بين الدول ذات السيادة المطلقة ... إلخ".
في هذا الاقتباس يصف نيتشه مقومات الحرب الإيرانية بالوكالة مستغلة سيولة الوضع الداخلي في اليمن والمقاومة السعودية. إذ إن المنطق القومي وما يجمع اليمن مع المملكة، خاصة المصالح الاقتصادية وأكثر عمقا في شقها البشري لا يمكن أن يقارن بما تقدمه إيران، ولكن كما يشير نيتشه، الضغينة الإيرانية والغرور بالقوة وجدا في سيولة الوضع اليمني فرصة مواتية لاختطاف اليمن. العدوان الإيراني يبحث عن مقاومة سعودية وهذا هو سبب دخول المملكة الحرب. إنه منطق توازن القوى. يلتقي تسبيب نيتشه مع اختيار مجتمعنا الحرب ليس عدوانا ولكن دفاعا عن الوطن. ولكنّ للحرب منطقا آخر فهي اختبار وتجديد التماسك الفني والإداري. يذكر بعض المختصين أن أحد أسباب استمرارية المؤسسة الدينية الحاكمة في إيران أتى بسبب الحرب مع العراق واستغلال المؤسسة الدينية إبعاد كثير من الفئات التي أسهمت في قيام الثورة. حتى الجيش العراقي وكفاءة المجتمع ارتبطا بالمجهود الحربي من دور المرأة في سوق العمل إلى الجدية في العلم والتصنيع ونقل التقنية. الجدير بالذكر أن كلا طرفي الحرب مر بفترة تخبط وخسائر بسبب عدم الكفاءة وقلة التجربة والتباعد بين المهني والإداري الشامل. ولكن كلا منهما أبدى تحسنا بعد سنتين أو ثلاث من الحرب. كل حرب مختلفة ولكن اختبار الكفاءة والتجديد والأخذ بالعلم والتقنية والاعتماد على النفس مستمر.
لا نمجد الحرب ولا ندعو لها ولكنّ هناك جهودا تبذل وهناك تضحيات من شهداء وعائلاتهم لحماية الوطن وأمنه وأمانه. فكما يردد الشعار "وطن لا نحميه لا نستحقه" و"يد تحارب ويد تبني". لظروف موضوعية ابتعد الوطن عن الحروب ولذلك أصبح هناك تراخ ــــ جزء من رفاهية عامة، ولكن هذا لا يعني أن الوطن قيادة وشعبا غافل عن استحقاقات الدفاع عن بلاده. لعلها فرصة لتمجيد شهداء الوطن ورص الصفوف وإعادة اختبار الكفاءات على أكثر من صعيد. ونبدأ بيوم للشهيد وعطر ذكراه ونتعاطف مع عائلته لما قدموا لنا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي