خراب الملالي في سورية

"سورية ليست لعائلة ولا زمرة ولا لحزب، إنها لكل السوريين بكل أطيافهم"
وليم هيج ـــ وزير خارجية بريطانيا السابق

إذا كان انسحاب نسبة من قوات الاحتلال الروسية لسورية، قد دفع بالليرة السورية إلى أدنى مستوى لها منذ انطلاق الثورة الشعبية العارمة ضد نظام سفاح سورية بشار الأسد. ماذا سيحدث لو سحبت إيران عصاباتها ومرتزقتها من هذا البلد، الذي دخلت فيه الثورة عامها السادس؟ بات واضحا، أن التدخل العسكري الروسي، لم يوقف سقوط الأسد ونظامه الإجرامي فقط، بل أوقف مزيدا من الانهيار المحقق لليرة، التي تغيرت من 57 إلى 475 ليرة لكل دولار ما بين العامين 2011 و2016. وهذا يعني أنها سجلت هبوطا منذ آذار (مارس) 2011 يصل إلى 90 في المائة. وعلينا أن نتخيل الآثار الكارثية المعيشية لهذا الانهيار، على مَن تبقى من السوريين ضمن أراضي بلادهم. وهؤلاء غير أولئك الذين لا يزالون يتعرضون لموجة تجويع منظمة من قبل الأسد وعصاباته لبعض المناطق السورية.
زاد ما يمكن اعتباره الإنفاق الحكومي في سورية إلى الضعفين بالليرة، لكنه تقلص في الواقع بالدولار. وهذا يعني أنه لا معنى لزيادة الإنفاق، ولا أثر واقعيا على الساحة الداخلية، أو على ما تبقى منها تحت سيطرة هذا النظام. ومن الواضح، أن الاقتصاد السوري خرج عن نطاقه الرسمي الحكومي منذ سنوات، لأن الأسد لم يعد يمتلك أي أدوات للإبقاء على الشكل العام لهذا الاقتصاد، ليس فقط من ناحية خسارته مناطق متعددة واسعة في كل أرجاء البلاد، بل أيضا لتراجع حجم الإمدادات المالية الإيرانية والمساعدات التي كان يستند إليها في البقاء يوما إضافيا واحدا على نظامه. فرغم التطورات الإيجابية الراهنة بالنسبة لإيران على الصعيد الاقتصادي، فإنها لم تتمكن من مواصلة تمويل الأسد بالوتيرة السابقة نفسها.
العقوبات التي رفعت عن نظام الملالي الإيراني، والإفراج عن نسبة من الأموال التي كانت مجمدة، وانطلاق الاتصالات والمشاورات حول عودة بعض الشركات الغربية إلى السوق الإيرانية، أحدث نقلة نفسية محليا، لكنها لم تثمر (حتى الآن) على منظومة اقتصادية جديدة، وفق المتغيرات الدولية الجديدة. الأمر يحتاج إلى وقت طويل، وإلى إجراءات أخرى على الصعيد الأمريكي، تسمح للمؤسسات الأمريكية بالتحرك على الساحة الإيرانية، فضلا عن أنها ستخفف معدلات "التخويف" الأمريكي للمؤسسات الأوروبية. فالتردد لا يزال سيد الموقف في التعاطي الاقتصادي مع النظام الإيراني، بصرف النظر عن الرغبات الموجودة حقا لمثل هذا التعاطي. فالآليات لا تزال غير مهيأة بما يطمئن كل الأطراف.
أمام هذا المشهد، لم يتحسن مستوى التمويل المالي الإيراني لنظام سفاح سورية. في الواقع أقدمت إيران على تعديلات اقتصادية في هذا المجال. فخطوط الإمدادات قلت وشحت، وإن أبقى النظام الإيراني الشيعي على وجوده كمحتل لمناطق في سورية سواء بصورة مباشرة، أو عبر عصاباته الشيعية الإرهابية الأخرى كحزب الله، وغيره من الجماعات الإجرامية المنضوية تحت عباءة علي خامنئي وقاسم سليماني. ولا يوجد أي أمل في هذه الظروف للأسد بالحصول على المزيد من خطوط الإمدادات المالية الضخمة، كما كان الأمر في السنوات الماضية، دون أن ننسى، أن هناك تمويلات تخريبية كبرى لا تزال جاهزة لدى خامنئي ولا تمر عبر ملفات الحكومة، ويمكن أن تصل للأسد وعصاباته، لكن أحدا لا يستطيع أن يتكهن بمستوياتها.
وفي كل الأحوال الخراب الاقتصادي في سورية باق ليس في ظل وجود الأسد، بل أيضا حتى بعد زواله المؤكد في المستقبل. وبالتأكيد لا أحد يتوقع أن تقدم إيران أي دعم في المستقبل للشعب السوري، الذي اعتادت على قتله لحساب نظام لا يعيش إلا على القتل والسرقة واللصوصية والخيانة. الخسائر كبيرة جدا. ورأت شبكة "إس بي إس نيوز" الأسترالية الأسبوع الماضي، أن تكلفة الحرب في سورية بلغت 685 مليار دولار حتى الآن، وهذا أعلى رقم من جهة محايدة لتقديرات الخسائر. ومضت أبعد من ذلك، أن قدرت تكاليف الحرب بأكثر من 1.3 تريليون دولار، فيما لو استمرت حتى عام 2020. وفي الواقع لم تقل تقديرات الخسائر عن 250 مليار دولار من مختلف الجهات المهتمة والمتخصصة.
وفي كل الأحوال والتقديرات، نحن أمام مصيبة طويلة الأجل بعد زوال الأسد، خصوصا مع تدمير كل ما يمكن البناء عليه في هذا البلد. وإيران الخبيثة لا تقدم المال إلا لتحقيق أهداف تخريبية واضحة، تتمثل في إبقاء نظام الأسد قدر المستطاع من منطلق شيعي طائفي دنيء، وليس مهما الخسائر البشرية وغيرها. فهذه المسألة ثانوية عند نظام إيراني لا يمكنه أن يتشارك العيش بصورة طبيعية مع جيرانه، ومستعد لتدمير بلدان بأكملها لتحقيق مآرب لا تصب حتى في مصالح الإيرانيين العاديين. سورية التي بدأت كضحية على الصعيد التخريبي الإيراني، صارت أيضا بعد ذلك ضحية في اقتصادها وثرواتها وإمكاناتها، ومستقبل ما تبقى من شعبها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي