المحبة .. والتواصل العاطفي
أيها الناس، أيها الإنسان.. كلنا جوعى. ولن يهدأ جوعنا وغضبنا وافتئاتنا وخلافاتنا وحروبنا وعدم تواصلنا العاطفي والروحي، حتى نطفئ لوعات وآلام وحاجات هذا الجوع.
لا ثورة المعلومات ولا التقدم الصناعي ولا بزوغ التقنية ولا أي نوع من الترفيه ولا سياراتنا الفخمة ولا بيوتنا الفارهة، ولا خيمة في قلب الصحراء، ولا عشة ترشها الموجات برذاذها على ساحل بحر معزول.. كل هذا لن يرضي هذا الجوع.
هذا الجوع هو فراغ هائل في قاع أنفسنا حتى ظاهر سطحها للجوع العاطفي التواصلي، الحب إن شئتم، الذي يجعلنا بكامل أهبتنا لنملأ الفراغ العاطفي التواصلي. وهناك عارض مهم يحدد معنى وواقع التواصل العاطفي وهو.. من يبدأ؟
من يبدأ ليملأ الفراغ في قلبي ووجداني، في حاجتي أن يفهمني أحد، ويفهم وضعي، وتفهم ظرفي، ثم يقوم تلقائيا وكأنه أنا، وكأنه حل مكاني وصار في ظرفي، وتحرك ليساعد على إزالة عائق أمامي، أو مشكلة تحاصرني، أو فشل أكاد أقع في جوفه؟ هنا التواصل العاطفي الذي نحتاج. ومتى بدأ شخص يتواصل معي عاطفيا فهذا سيؤثر باللزوم في حياتي، وبالتلقائية في حياة الآخرين.
التواصل العاطفي عندما ينضج داخل نفوسنا نصبح أكثر تعقلا وحكمة وبصيرة ورحمة وحذرا وتوقعا، وترتفع كل حواسنا وتتضاعف قوتها. التواصل العاطفي هو الذي سيجعلنا نهب لرفع الحاجة عن أم ترضع رضيعا ولديها كثير من الأبناء وتركها زوجها حيا أو ميتا، لأننا تواصلنا معها عاطفيا ووضعنا أنفسنا مكانها، فخرجت أنّات خوفها وقلقها ورهبتها وحزنها من صدورنا كما تفلت من صدرها. التواصل العاطفي يجعلنا بلزوم الارتباط الوجداني مع الآخرين لنساعدهم، ونزيل الكدر من حياتهم، ويجعلهم يساعدوننا ويزيلون الكدر من قلوبنا. التواصل العاطفي مع المساجين، والأيتام، والمتضررين، والعاطلين، والمرضى، والجنود على تخوم الحرب والموت، هو الذي يحرك آلتنا الحركية المادية تلقائيا لنكون معهم بجوار، بل داخل أبدانهم.. ألا تسمع المحتاج والمتضرر والفقير والمتمشكل يقول دائما "لن تفهموا إلا لو كنتوا مكاني، ولن تحسوا إلا إن وطئتوا الجمر الذي يقرض لحمي"؟ بلى، نسمع كثيرا. والجواب هو عاطفة التواصل.. الحب إن شئتم.
التواصل العاطفي مهم جدا.. بل جدا جدا، لكل مسؤول، فالمسؤول مهما قام بمترتبات تعاليم النظام فيما يخدم الناس فإنه لن يكون في حالته العطائية الأسمى والأنجح والأبقى له في ذاكرة الناس بعد أن يبعد عن كرسيه سنين، فتبقى ذكراه عطرة في قلوب الناس سنين، بالتواصل العاطفي. الذي يقلل فعالية المسؤولين بشكل عظيم هو لما يتعاملون معهم من خلال ورق ونص نظام فقط، فتبهت إنسانية المتعاملين إلى ورق وحبر وتوقيع. الذي يعظم قوة خدمة المسؤولين هو لما يشعرون حقا بمن يخدمون، أن يكونوا في مكانهم وظرفهم فيستشعرون حقا حالهم وكأنه حال المسؤول نفسه.. هنا سينبغ مسؤول تحتفي به ذاكرة الأمة وتفتخر به.
كل هذا الغضب الذي تراه بين الناس في الشارع ومقار الأعمال وساحات الرياضة وداخل البيوت هو الفراغ للانتباه. كل منا يعبر بغضبه وتصرفه عن قوة وجوده وحضوره، وأعماقه تصرخ دون وعيه النائم، إني بحاجة إلى التواصل العاطفي.. إلى الحب إن شئتم.
وهل هذا يحدث للأفراد فقط؟ إنه يحدث لمجتمعات تصرخ للانتباه وحل مشكلاتها، مثل طلبة في الخارج تُركوا بلا تواصل عاطفي. مستخدمون، وموظفون، ومرضى، وعاطلون، ومستحقو إعانات حكومية يصرخون ويشكون ويتذمرون، هم بحاجة قصوى إلى التواصل العاطفي، لو تحقق فستجري بقية الأمور سائغة هنية، كتجمع نقاط المطر في غدير.
أرجو أن يفكر كل منا في ذلك، لأننا كلنا مجهزون بمعدات التواصل العاطفي، وكلنا بحاجة إليه.