رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


هل تثبيت سعر الصرف سجن أم مصحة؟

تستهدف البنوك المركزية في سياساتها النقدية كسياسة سعر الصرف عادة استقرار مستوى الأسعار، أخذا بعين النظر محاربة البطالة ورفع الإنتاجية وتحقيق النمو الاقتصادي ورفع تنافسية الاقتصاد، خاصة لاقتصاد صاعد. وإذا صعب تحقيق هدف، اتجه التفكير إلى محاربة عكسه. ووجود التعارض بين الأهداف أصل. وما من سياسة اقتصادية إلا ولها آثار مرغوب فيها وآثار غير مرغوب فيها، وقوة الآثار تتغير بتغير الزمان أو المكان أو كليهما. وطبيعة المناقشة الموضوعية تتطلب النظر إلى كلا الأمرين وترجيح الخيار الأنسب.
الأنظمة النقدية في دول الخليج اختارت منذ سنين طويلة التثبيت الصارم. ولا أجد حاجة إلى عرض محاسن هذا التثبيت فقد قيل عنه الكثير سواء كانت بحوثا أو كتابات صحافية أو تصريحات مسؤولين. هناك الجانب الآخر. ما ثمن هذا التثبيت الصارم عبر السنين، وخاصة عند نزول أسعار النفط بقوة كما هو الآن؟ وهل صافي الحصيلة من المحاسن والعيوب تؤيد استمرار التثبيت الصارم ممثلا بسعر الصرف الحالي، أو تخفيفه أو تغييره؟ وكيف؟ وبالمناسبة هناك ما يقرب من تسعة أو عشرة أنظمة صرف تتفاوت بين أعلى درجة من التعويم إلى أعلى درجة من التثبيت، كما هو الوضع في المملكة العربية السعودية.
من المهم الانتباه إلى وجود فروقات بين دول المجلس في مدى اعتماد اقتصاداتها على إيرادات صادرات النفط والغاز ومدى اعتماد ماليتها العامة على الدخل النفطي. ويقاس الاعتماد الأول بمعيار نسبة مساهمة تلك الصادرات في الناتج المحلي الإجمالي، والثاني بنسبة مساهمته في الإيرادات العامة. وبغض النظر عن نسب بعينها، فإن المعروف للقاصي والداني شدة الاعتماد.
التذبذب الحاد في أسعار النفط، يزيد من حدة تذبذب إيرادات الحكومة ومشكلات المالية العامة. فمثلا، المحافظة على استقرار سعر الصرف حينما كانت أسعار النفط متدنية خلال نحو 20 عاما (1984 - 2004) ساهمت في زيادة القوة الشرائية للريال، وانخفاض نسبي في معدل التضخم آنذاك، وسد ما يحفز على المضاربة بالريال، لكنها ساهمت أيضا في انخفاض حاد في الإيرادات النفطية الحكومية بالريال، ومن ثم خفض حاد في الإنفاق الحكومي، وخاصة على المشاريع وصناديق التنمية، مقرونة بعجز كبير. وكان التأثير السلبي لهذا الانخفاض في الإنفاق الحكومي والعجز شديدا على الاقتصاد. بمعنى آخر: الاقتصاد النفطي يدفع سعرا باهظا للمحافظة على استقرار سعر الصرف.
كانت هذه النقطة موضع بحث ودراسة بعض الجهات الأكاديمية والبحثية، انظر مثلا:
Exchange Rate Regimes, Inflation and Growth in Developing Countries – An Assessment, The B.E. Journal of Macroeconomics, 2007.
والذي حلل قياسيا (باستخدام أدوات الاقتصاد القياسي للسلاسل الزمنية) الفترة من 1984 إلى 2001، وخلص إلى أن التثبيت الصارم تميز عن أنظمة أسعار الصرف الأخرى بمعدلات تضخم أقل وفي الوقت نفسه معدل نمو اقتصادي أقل.
حاليا لدينا دولار مرتفع ومن ثم ريال مرتفع. لكن لدينا أيضا سعر نفط فدخل حكومي منخفض. هناك اختلاف مصالح وتباين ظروف بين دول العملات المتبوعة (كالدولار)، والعملات التابعة (كالريال). وكلما اتسع الخلاف في المصالح وازداد تباين الظروف، زادت التكلفة على دول العملات التابعة. ولدينا حاليا درجة من التعارض في استخدام سعر الصرف لمحاربة التضخم وزيادة تنافسية الاقتصاد آنيا.
وتتسبب الصدمات الاقتصادية كتغير أسعار النفط وتغير سعر صرف الدولار تجاه العملات الكبرى غالبا في تغيير الظروف. وهنا أشير إلى أن التحليل الاقتصادي النظري والقياسي، يفرق بين تأثير الصدمة المؤقتة وتأثير الصدمة الدائمة. وهذا ما يتفق مع سلوكيات البشر التي نراها يوميا. مثلا، هل تنخفض أو ترتفع أسعار النفط خلال السنوات القليلة القادمة؟ رغم أن الآراء تميل بصفة عامة إلى ترجيح الارتفاع، فهناك ألف عامل وعامل مؤثر، ولا أحد لديه القدرة على التنبؤ بحركة هذه العوامل بثقة عالية. كيف نوازن الميزانية دون إضرار ببنود الإنفاق الرأسمالي الحكومي؟ ومعيار هذا التوازن في المالية العامة أن تشكل الرواتب ما لا يزيد تقريبا على ثلث الإنفاق العام دون عجز لتبقى مساحة كافية للإنفاق الاستثماري، وهو وقود أساسي للنمو الاقتصادي.
هل التثبيت بسلة عملات أنسب من التثبيت بالدولار؟ هل ينصح بإدخال سعر النفط ضمن السلة أو مع الدولار؟ تصعب الإجابة على هذه الأسئلة وأمثالها بالتحليل النظري فقط، فضلا عن أن تكون في مقال صحافي، بل لابد أن يسند النظري بعمل قياسي empirical work. وقد لا يعطي نتائج موحدة لكل دول الخليج، ولكني أعطي رأيا ابتدائيا خلاصته أن التثبيت الصارم بالدولار ليس بالضرورة هو الأنسب لنا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي