التأهيل .. الغائب الحاضر
القاسم المشترك لشكاوى القطاع الخاص وممانعة بعضهم لمسألة توطين الوظائف هو: التأهيل. الحقيقة أن هذا الأمر تعانيه معظم المجتمعات، وكثير من العمالة الوافدة يتم تأهيلها على رأس العمل.
إذن لماذا يتم وضع هذه العقبة الكأداء أمام الشاب والفتاة في المملكة؟
يعترف أحد المسؤولين عن التوظيف في القطاع الخاص، بأن الوافد يجد وافدا آخر يقف إلى جانبه ويساعده على استيعاب متطلبات العمل. لكنه يضيف أمرا آخر، إذ يقول إن شريحة أكبر من الشباب والفتيات يحتاجون إلى مجهود أكبر لإقناعهم بأهمية التعامل الجاد مع الوظيفة، باعتبارها ليست مجرد مكان يشغله دون أن تكون الإنتاجية هاجسا بالنسبة له.
واقع الحال، إن لدينا مؤسسات استطاعت أن تتجاوز هذه المعضلة، ولعل تجارب "أرامكو" و"الخطوط السعودية" و"سابك" أكبر دليل على أن البطالة المقنعة يمكن أن تتحول إلى مجرد عارض، مع وجود التأهيل الجاد ثم الصرامة والعدل في التقويمات السنوية. تحقيق النجاح في هذه القطاعات وفي منشآت أخرى مثل الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني ووزارة العمل والأحوال المدنية ــــ وأنا أتحدث عما أشهده على الأقل في الرياض - هذه النجاحات جاءت نتيجة متابعة صارمة من صاحب الصلاحية وتغذية معرفية مستمرة لبيئة العمل تفضي إلى تحقيق الانضباط وترفع الإنتاجية.
حديثي مع مسؤول التوظيف في المنشأة الخاصة أكد لي ما أعرفه ويعرفه غيري مسبقا: إن هذه القطاعات تتوقع مخرجات جاهزة للاندماج في سوق العمل بشكل مباشر.
لقد أخفق التعليم الفني والتدريب المهني في تحقيق ذلك، كما أن المخرجات الجامعية لا تزال بعيدة عن تطلعات سوق العمل، والحل يتمثل في التدريب الموجه للوظيفة المطلوب شغلها. هذه تحتاج إلى تصميم حقائب تخص هذه المنشآت، والفوضى الضاربة فيها قد لا تسمح بذلك، إذ إن المعرفة ليست بالضرورة مسجلة وموثقة، ولكنها تعتمد على تناقل المعلومة من جيل إلى جيل.
وحتى الدورات المستمرة التي تسعى إلى الارتقاء بأداء الموظف، يتم تقديمها في القطاعين الخاص والحكومي باعتبارها مجرد مكافأة لموظف جيد قد لا تستهدف بالضرورة الارتقاء به مهنيا، وإن كانت تتوخى التعبير عن شكره معنويا.
إن على وزارة العمل السعي إلى توثيق هذه المعرفة، من خلال وضع توصيف واضح لكل وظيفة، والمتطلبات التدريبية التي تحتاج إليها، والتأكد من أن هذا التوصيف واقعي وليس على طريقة الإعلان عن الوظائف للسعوديين التي تضعها بعض المنشآت بشروط تعجيزية. دون تحقيق ذلك لن تنجح الوزارة في سعودة قطاعات بيع وصيانة الهاتف الجوال؛ إذ سبق أن أخفقت في سعودة قطاع الليموزين ومكاتب السفر والسياحة وحتى قطاع الخضراوات والفواكه لا تزال السعودة فيه تسير على عكاز.