تجارة بأخلاق تجارية
علاقة البائع بالمشتري علاقة فرد يحوز البضاعة، وآخر يحتاج إليها يرغب في الحصول عليها مقابل مبلغ مالي، إما أن يكون محددا مسبقا، وإما يتم التفاوض عليه. في السابق لم يكن هناك وسيط بين البائع والمشتري، لكن في الوقت الراهن أصبحت الدعاية وسيطا بينهما، حيث يتم عرض البضاعة في صورة ثابتة أو متحركة، بهدف التعريف بالبضاعة، سواء كانت جديدة، أو قديمة لكن منتجا جديدا منها تم استحداثه، ومع شيوع الدعاية، وبسط نفوذها في ميدان التجارة أصبحت عملية جذب الزبون إحدى المهمات التي تضطلع بها الدعاية، حتى أصبحت علما توظف فيه نظريات علم النفس، والألوان، والحركة، وجميع جوانب الإبداع والإخراج.
وسائط التواصل الاجتماعي أصبح لها نصيبها في الدعاية للمنتجات، خاصة منتجات الأفراد الفكرية، كالكتب، والمقالات، وهذا ما لاحظته بكثرة هذه الأيام، مع افتتاح معرض الكتاب، إذ يصور البعض غلاف الكتاب، ويحدد الركن الذي يبيعه بشكل دقيق، مع ذكر السعر أحيانا، ربما للإغراء، والتشويق، أو المنتجات المادية، خاصة ما ينتجه الأفراد في منازلهم، وبالذات الأطعمة، والحلويات، أو المنتجات الأخرى، وما من شك أن وسائط التواصل الاجتماعي تمثل فتحا جديدا، وغير مكلف، كما في وكالات الدعاية التي تكلف الأموال الطائلة والتي يصعب على المبتدئين في الأعمال دفعها.
الرضا يفترض أن يكون أساس العلاقة بين طرفي عملية البيع، فالرضا بالبضاعة من قبل المشتري، والموافقة على السعر من قبل البائع والمشتري يمثل المدخل الأساس لعملية البيع، لكن في بعض الأحيان تتم عملية البيع دون رضا المشتري، ودون رغبته، خاصة مع البائعين اللحوحين، وبالذات الجائلين، ومن يبيع منهم البضائع الخاصة بالأطفال، كالألعاب، أو الملابس، أو الحلويات.
كيف يكون البيع من دون رضا؟ في أكثر من مرة داخل المملكة، وخارجها شاهدت بائعين يتلقفون الداخلين للسوق، خاصة العائلات التي معها أطفال، ثم يرمي باللعبة أمام الطفل، وفي أحيان عدة يعطي اللعبة للطفل، وكم هو مغر لطفل لأول مرة يرى اللعبة، أو سبق له رؤيتها، لكنه ولأي سبب محروم منها، ليبدأ مسلسل الملاحقات، فالطفل يتمسك باللعبة، والبائع يجري وراء العائلة ليأخذ ما يفرضه من سعر لها، خاصة بعد تولع الطفل، وتمسكه بها.
تأملت هذه المشاهد عدة مرات متسائلا عن سلامة الممارسة نظاميا وإنسانيا، وفي الحقيقة لا أعلم إن كان يوجد نظام يمنع أو يجيز الممارسة لكن منطقيا لا أعتقد بسلامتها من الناحية النظامية، فالبيع في هذه الصورة تم بالإجبار ولا يتوافر الرضا والقبول، فالطفل الذي وضعت في يده البضاعة قاصر ولا يقر إمكانية الشراء من عدمه واللوم يقع على البائع الذي تعرض للعائلة وأوقعها في هذا الموقف.
أما من الناحية الإنسانية فلا شك في خطأ الممارسة، فالأطفال بشكل عام مولعون بالألعاب، أو الحلوى، أو الملابس الزاهية، ولا يلام الطفل حين يتشبث بها، ولا يردها إلى البائع الذي تجرأ ووضعها في يده، إضافة إلى تناسيه جميع الاعتبارات الإنسانية، فربما العائلة لا تستطيع الشراء، أو لا ترغب في الشراء لوجود ما يماثل البضاعة في البيت، أو ربما يوجد اعتبارات تربوية تمنع شراء البضاعة لابنهم، أو بنتهم، إما لعدم مناسبتها للجنس، أو العمر، أو أن هناك أضرارا يعرفها الأبوان بشأن البضاعة.
في موقف لافت للنظر وتصرف سليم من الأبوين أعطى البائع الطفل بالونة زاهية الألوان ثم أصبح يمشي وراءهم بهدف الحصول على قيمتها لكن الأب رفض وقال للبائع من أمرك بإعطائها الابن أنا لم أأذن لك بذلك خذ البالونة منه وأصبح البائع يحاول أخذها والطفل يرفض، وما من شك أن الموقف صعب على الوالدين اللذين يريان ابنهما يمسك بالبالونة، فمهما كان الأمر فالموقف صعب عليهما لكن لا بد من إعطاء البائع درسا إن كان سيفهم الدرس.
أسلوب فرض البيع بهذه الطريقة لا شك أنه غير أخلاقي وتنطبق عليه العبارة التي نكررها دائما حين نصف شخصا بهذه الأخلاق التجارية، وهذا مرده الجشع الذي يسيطر على البائع الفاقد للحس الإنساني نفسه الذي يستغل رغبة الطفل ومشاعر الأبوة الحانية التي تلامس مشاعر ابنه، ويتمنى تلبية رغبته، كما أن غياب الروادع للبائعين وتركهم يتصرفون كما يشاءون يشجعهم على الاستمرار في هذه الممارسات التي تحرج العائلة وتتنافى مع أخلاقيات البيع.